للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

من بعضهم قناطير الأموال، واستمدّوا بالخيل والمال والرجال / طمعا في أخذ الجزائر لا ظفّرهم الله لظنّهم أنهم إذا غلبوا عليها فقد انحلّ قفل المغرب واستولوا على جميعه، قطع الله آمالهم ولا ظفّرهم إلا باللعنة والخزي والهوان وسوء المنقلب والخسران. فلما وصلوا نزلوا ليلا، ونصبوا حصونا وأسوارا من أخشاب (٣٢٨) وحديد تمشي على وجه الأرض بأشغال أحكموها بمكرهم وكيدهم، فدفعوا ذلك على عربات فمشى وهم من خلفه، فجعلوا يرمون المسلمين بالنيران وأنواع الصواعق والمدافع بشيء خارج عن الطاقة، فتوجهوا نحو المدينة وعساكر المسلمين، فلما رأى المسلمون مكر الكفرة جعلوا لهم أسوارا من الإبل، فأكثروا منها وقدّموها بين أيديهم، وضربوا من خلفها بالطبول والبوقات، وركبوا الخيول، وزنقوا الإبل، فتوجّهت نحو العدو، فصار ضرب العدو في الإبل وسلم المسلمون، ثم دفعوا الإبل على الكفرة (٣٢٩) فرفضتهم أسوارهم، ووقعت الهزيمة على الكفّار، وجاء للمسلمين النصر (٣٣٠)، فغنم المسلمون ما حصل بالبر من العدو، ولم ينج منهم إلا من أشرع قلاعه بالمراكب، وفرّوا منهزمين. وفي السنة الثانية (٣٣١) رجعوا بأكثر ممّا تقدم ولكن يئسوا من نزول البر، وعملوا حيلة ثانية وهي الإفساد وهم في البحر بأن أنشأوا أجفانا وجعلوا فيها المدافع والبونبة، وطمعوا أن يرموا على المدينة وحصونها وعساكر الإسلام ليطحنوهم ويحرقوهم / بالنار فركب المسلمون في مثل ما قدموا من الأجفان، وأرهقوهم عسكرا وعاجلوهم بالرمي فاشتغلوا بأنفسهم فغرق منهم جمع وهلك آخرون، فما لبثوا غير ساعة حتى جاء النصر ووقع على الكفرة اللئام (٣٣٢) الهزيمة والكسر فولّوا (٣٣٣) مدبرين وتفصيل هاتين الواقعتين ممّا يعد من أكبر غزوات المسلمين. ولما أعيت الكفرة الحيلة ورد الله كيدهم في نحرهم فأخذتهم القهرة والذلّة، وكثر نهب المسلمين لمراكبهم وقطعوا عليهم أسفارهم بالبحر، وطلبوا السّلم ببذل أموالهم للمسلمين ليأمنوا في أسفارهم وليمتاروا ويطمئنوا في أنفسهم، فأبى المسلمون عليهم ذلك، فجعلوا يلتجئون ويستغيثون بسلاطين الإسلام وبأولي الجاه من المسلمين حتى صالحوهم على ذلة الكفر وعزة


(٣٢٨) في ت: «خشب».
(٣٢٩) في ت وط: «الكفرة اللئام».
(٣٣٠) في ت: «النصر والظفر».
(٣٣١) في سنة ١٧٨٤ كما ذكرنا.
(٣٣٢) ساقطة من ت.
(٣٣٣) بعدها في ت: «جميع اللئام منهزمين»، وظاهر أنها زيادة من النّاسخ لما في الجملة من ثقل.