للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

يا فرسان لا تهتكوا الحرم، فأبوا أن يرجعوا فقال لهم الشّيخ: على الله شباككم ممزّقة وعروقكم مقلّعة، فقام أولاد الشّيخ ثلاثتهم وأخذهم حال وانجذاب، وصاحوا صيحة منكرة، فتكلّم (٤٥٩) في الحين مدفع من تحت الأرض من قبل الله في وسط العمّال، وفرّوا هاربين لم يرجع منهم أحد إلى أن بلغوا طرابلس، فدخلوا على الأمير فقال لهم:

ويحكم / أين الوزير؟ قالوا له: وجدناه في زاوية (٤٦٠) بها خلق كثير، وأرادوا قتلنا عن آخرنا، وشتموا أهل الزّاوية عند الأمير شتما زائدا حتّى غضب الأمير غضبا شديدا على أهل الزّاوية، وأمر أن يجهّز لهم عسكرا قدر ثلاثة عشر خباء، فخرجوا من طرابلس، وأمرهم الأمير بتخريب الزّاوية وقتل صغيرها قبل كبيرها، فخرجوا مجدّين السّير إلى أن وصلوا الزّاوية المذكورة، ونزلوا قرب سدرة المحلّة غربي الزّاوية، فوقع الرّعب في قلوب أهل الزّاوية، وكان نزولهم بعد العصر عشيّة الجمعة والشّيخ في الدّرس، فجاء أهل الزّاوية وأخبروه بنزول المحلّة، فقال لهم الشّيخ: ارجعوا يا إخواني على أنفسكم، من أتانا زائرا رجع مجبور الخاطر، ومن أتانا بجور غائر أعمر الله به المقابر، فخرج الشّيخ من الدّرس ونظر العسكر فلم يأت منهم من يرد الخبر بما يقصدون، خيرا أو شرّا، إلى أن أصبح الله بخير الصباح، فبينما الشّيخ في صلاة الصّبح وإذا بالعسكر يضربون طبولهم ويزعقون الأنفرة، ونشروا الرّايات وعزموا على الحرب، فرجع أهل الزّاوية للشيخ فوجدوه قد فرغ من صلاة الصّبح، فقالوا: يا سيّدنا نفذ القضاء ولا حول ولا قوّة إلاّ بالله، فردّ عليهم الشيخ فقال: أمهلوا فلمّا حلّت النّافلة صلّى ركعتين وخرج ووقف على كوم الزّاوية الذي به الرّوضة، ومدّ بصره إلى العسكر فظهروا له / كلّهم على ساق واحدة، وأهل الزّاوية يبكون بكاء شديدا، فاشتدّ حال الشّيخ وسقطت دمعته وصاح صيحة عظيمة وقال: يا غياث المستغيثين، يا ناصر المستنصرين انصرنا عليهم، يا خير النّاصرين يا ذا القوّة يا متين، وأومأ (٤٦١) إليهم بكمّ ثوبه وقال: أعمر القبور يا جابر (٤٦٢) المكسور، فما استتمّ كلامه إلاّ والعسكر بلعته الأرض بإذن الله، ونزل في هاوية ولا بقي منه إلاّ رجل واحد، فسار ذلك الرّجل الواحد إلى طرابلس وردّ الخبر، فحكى للأمير ما


(٤٥٩) عامية بمعنى إنطلق.
(٤٦٠) في ط: «بزاوية».
(٤٦١) في ط وش: «أومى».
(٤٦٢) في ط: «يا جيار».