للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

سيدي أبي بكر الكراي، وعن الشيخ المفتي سيدي عبيد اللومي (٦٤٥)، ومن كان بعصره من فقهاء البلد.

وحصل له الجذب على يد الشيخ سيدي سعيد الوحيشي - رحمه الله - وذلك أنّ والده كان رجلا متّبعا للشّريعة متمسّكا بالحقيقة محبّا للصّالحين، ويكثر من زيارتهم. ففي كلّ سنة يخرج بتلاميذه لزيارة الصّالحين بوطن صفاقس، ويحثّ ولده أبا الحسن على الذّهاب للزّيارة، فأبى ذلك، فلمّا آن الأوان قال لوالده: أريد أن أخرج هذه السّنة للزّيارة ففرح والده بذلك، فلمّا تهيّأ التّلاميذ للخروج تجهّز وخرج معهم وقال لهم:

لا بدّ من الذّهاب لزيارة الأشياخ بمدينة القيروان فامتنعوا من ذلك أوّلا لبعدها عنهم، ولم تجر العادة بمجاوزة الوطن، فأبى عليهم إلاّ المسير إليها، فلمّا رأوا جدّه في ذلك طاوعوه، فلمّا قربوا من القيروان نزل عن دابّته وذهب ودخل القيروان وحده ولم يكن قبل يعرفها، فلم يزل سائرا حتّى دخل الزّاوية الوحيشية، وكان سيدي سعيد إذ ذاك في خلوته ولا يدخل عليه أحد إلاّ بإذن، ولم يعلم ذلك الشّيخ أبو الحسن فدخل من غير استئذان فقبله الشّيخ سيدي سعيد الوحيشي، ولحظه وجذبه بهمّته، فخرج من هناك هائما لزيارة الصّالحين، وبقي على ذلك مدّة، ثمّ رجع إلى صفاقس وقد أخذه الحال وانجذب لطريق القوم، فأنشأ له / زاويته المشهورة به، واشتغل بنشر العلم واحتجب وشرع في إنشاء الموشحات على طريق السّادة الوفائية، وأكثر فيها من المواعظ والحظّ على الآخرة، فانتفع بها من هداه الله تعالى.

وأقام في حجبته خمسين عاما، وقد تقدّم ما وقع له من محنة إبن عطية وابن الإنكشاري. وعند وفاته رثاه تلميذه الشّيخ أبو عبد الله محمد بن محمد بن علي المراكشي بقصيدة طويلة من جملتها قوله:

[الطّويل]

محقّق علم ثابت متلطّف ... عكوف على الطّاعات بالعلم عامل

فخمسين عاما قد ثوى (٦٤٦) في اعتكافه ... مكبّا على التّعليم من غير شاغل

وحقّق أيضا في اعتقاد لطالب ... عقائد في التّوحيد للشكّ زائل


(٦٤٥) الأصحّ الأومي نسبة لهنشير أومة الكائن شمالي قرية نقّطة غربي صفاقس وآثاره باقية إلى الآن، وسينرجم له المؤلّف.
(٦٤٦) في ت: «توافي».