كتاب نزهة الأنظار في عجائب التواريخ والأخبار

الباب الرابع في ذكر بعض أهل الخير والصلاح من العلماء والأولياء المتقدمين بصفاقس ووطنها - ترجمة الشيخ أبي الحسن علي النوري - ج: 2 - ص: 361

فأمره بالذهاب إلى ميضاة (٧٦٠) الجامع الأزهر وقال له: أمكث بها ليلا وارتقب ساعة انقطاع النّاس فإذا لم تجد إلاّ رجلا واحدا فهو صاحب الوقت فاستشره وافعل ما يأمرك به، ففعل، فلمّا رأى صاحب الوقت إستشاره، فقال له: يا علي يا نوري (٧٦١):

إذهب نوّر المغرب فمن ذلك الوقت / إشتهر لقبه بالنّوري، فامتثل ما أمره به ورجع إلى المغرب بعد ما أخذ إجازات المشايخ المتقدّمين، وانتظم في سلكهم فقدم على صفاقس بما معه من علوم الدّين، فعلّم المسلمين بنصح، وبذل جهده ومهجته (٧٦٢).

ولمّا قدم وجد النّاس يشكون جور أهل مالطة - دمّرها الله وأخلى منهم الأرض - فتشاور مع أهل الفضل في إنشاء سفن للجهاد، فوافقه أكثر النّاس على ذلك فأنشؤوا سفنا جعل الله فيها بركة وانقطع بها جور الكفرة، وغنم المسلمون منهم خيرا كثيرا، وجعل مقدّما على السفن يأتمرون بأمره، ويصلّي بهم إماما الشّيخ الصّالح إبن أخته الحاج الأبر أبا عبد الله محمد قوبعة معلّم أطفال المسلمين، وكان مقدّما على ضريح الشّيخ سيدي منصور الغلام - نفعنا الله به -.

ولمّا كان كلّ ذي نعمة محسودا حسد أهل الشّرّ الشّيخ النّوري وسعوا به إلى سلطان الوقت بتونس وخوّفوه أن يكون سببا في تغيير الدّول لما رأى من إقبال الخلق عليه وامتثالهم أمره كما وقع في أيّام ابن تومرت وأمثاله - حسبما مرّ مفصّلا - فأرسل السّلطان جماعة من رجاله لأخذ الشّيخ وأتباعه ونهب أموالهم، فأرسل بعض أهل الفضل كتابا للشّيخ يحذّره قبل وصول رجال السّلطان، فلبس حرام إمرأة ونعلها وخرج [مع نسوان الشّيخ أبي عبد الله السيالة] (٧٦٣) مستخفيا مهاجرا بدينه، وقال: (٧٦٤) {لَقَدْ كانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ} (٧٦٥) فذهب في خفاء [مع خديمه إبن الأكحل إلى أن وصل] (٧٦٦) لزاوية الشّيخ سيدي أبي حجبة (٧٦٧) بين تونس وزغوان، ولمّا دخل رجال

---

(٧٦٠) من العجب أن لا يرى صاحب الوقت إلاّ في هذا المكان دون غيره من الأماكن النّظيفة ممّا يثير الشّكّ في صحّة الحكاية.
(٧٦١) هذا ممّا يدلّ على أنّ لقبه النّوري قبل رؤيته لصاحب الوقت، وأصله من أسرة شطورو، ورأيت في بعض أوراقه أنّه عند ما كان مجاورا للأزهر يكتب لقبه الأصلي شطورو ويضيف إليه النوري. (محمّد محفوظ).
(٧٦٢) في بقية الأصول: «جهد ومهجة».
(٧٦٣) زيادة من بقية الأصول.
(٧٦٤) ساقطة من ط.
(٧٦٥) سورة الأحزاب: ٢١.
(٧٦٦) زيادة من بقية الأصول.
(٧٦٧) هو حسن أبو حجبة، وهو الباني المؤسس للزاوية الكبرى قرب عين الصيقل شمالي طريق زغوان. أنظر الحقيقة التاريخية للتّصوّف الإسلامي ص: ٣٠٠.