للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قيل لابن المبارك: ما خير ما أُعطي الرجل؟ قال: غريزة عقل، قيل: فإن لم يكن؟ قال: أدب حسن؛ قيل: فإن لم يكن؟ قال: أخ صالح يستشيره، قيل: فإن لم يكن؟ قال: صمت طويل، قيل: فإن لم يكن؟ قال: موت عاجل (١).

والناس يحبون الرجل الذي جمع بين الصلاح ورجحان العقل، ونبينا محمد بن عبد اللَّه أرجح الناس عقلاً، ففي الجاهلية لم يسجد لصنم قط، مع كثرتها وتعلق الناس بها: لعلمه أن هذه الأصنام جمادات لا تضر ولا تنفع؛ وكانت قريش تُودِع أموالها عنده، ويستشيرونه في أمورهم: لرجحان عقله وسداد رأيه، وكان يعتزل الناس، ويتعبد في غار حراء يسأل ربه الهداية. وفي صحيح البخاري: أن أبا بكر قال لزيد بن ثابت: إنك رجل شاب عاقل لا نتَّهِمك، وقد كنت تكتب الوحي لرسول اللَّه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فتَتَبَّعِ القرآن فاجمعه، قال زيد: فواللَّه لو كَلَّفوني نقل جبل من الجبال، ما كان أثقل علي مما أمرني به من جمع القرآن (٢).

وحُكي أن جماعة من النصارى تحدثوا فيما بينهم، فقال قائل منهم: ما أقل عقول المسلمين، يزعمون أن نبيهم كان راعياً للغنم، فكيف يصلح راعي الغنم للنبوة؟ ! فقال له آخر من بينهم: أما هم فواللَّه أعقل منا، فإن اللَّه بحكمته يسترعي النبي الحيوان البهيم فإذا أحسن رعايته والقيام عليه نقله منه إلى رعاية الحيوان الناطق، حكمة


(١) روضة العقلاء/ ص: ١٧.
(٢) قطعة من حديث ص: ٩٩٢ برقم ٤٩٨٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>