للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الإِصْبَاحِ وَجَعَلَ اللَّيْلَ سَكَنًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ حُسْبَانًا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيم (٩٦)} [الأنعام].

قوله تعالى: {مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ} أي: ما تركك، {وَمَا قَلَى (٣)}: أي وما أبغضك، {وَلَلآخِرَةُ خَيْرٌ لَّكَ مِنَ الأُولَى (٤)} أي: وللدار الآخرة خير لك من هذه الدار، ولهذا كان رسول اللَّه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أزهد الناس في الدنيا وأعظمهم لها اطراحًا كما هو معلوم من سيرته، ولما خيِّر عليه السَّلام في آخر عمره بين الخلد في الدنيا إلى آخرها ثم الجنة وبين لقاء ربه عزَّ وجلَّ، اختار ما عند اللَّه على هذه الدنيا الفانية.

روى الإمام أحمد في مسنده من حديث أبي مويهبة رضي اللهُ عنه: أن النبي صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: «يَا أَبَا مُوَيْهِبَةَ إِنِّي قَدْ أُوتِيتُ مَفَاتِيحَ خَزَائِنِ الدُّنْيَا وَالْخُلْدَ فِيهَا ثُمَّ الْجَنَّةَ، وَخُيِّرْتُ بَيْنَ ذَلِكَ وَبَيْنَ لِقَاءِ رَبِّي عزَّ وجلَّ وَالْجَنَّةِ»، قَالَ: قُلْتُ: بِأَبِي وَأُمِّي، فَخُذْ مَفَاتِيحَ الدُّنْيَا وَالْخُلْدَ فِيهَا، ثُمَّ الْجَنَّةَ! قَالَ: «لَا وَاللَّهِ يَا أَبَا مُوَيْهِبَةَ، لَقَدِ اخْتَرْتُ لِقَاءَ رَبِّي وَالْجَنَّةَ» ثُمَّ اسْتَغْفَرَ لِأَهْلِ الْبَقِيعِ ثُمَّ انْصَرَفَ، فَبُدِئَ رَسُولُ اللَّهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم فِي وَجَعِهِ الَّذِي قَبَضَهُ اللَّهُ عزَّ وجلَّ فِيهِ حِينَ أَصْبَحَ (١).

قوله تعالى: {وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى (٥) أي: في الدار الآخرة يعطيه حتى يرضيه في أمته وفيما أعدَّه له من الكرامة، ومن جملته: نهر الكوثر الذي حافتاه قباب اللؤلؤ المجوف، وطينه مسك أذفر.


(١) (٢٥/ ٣٧٦) برقم ١٥٩٩٧؛ وقال محققوه: إسناده ضعيف، لكن الحديث صحيح في استغفاره لأهل البقيع واختياره لقاء ربه.

<<  <  ج: ص:  >  >>