للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عبد الله بن مسعود رضي اللهُ عنه قال: كَأَنِّي أَنظُرُ إِلَى النَّبِيِّ صلى اللهُ عليه وسلم يَحكِي نَبِيّاً مِنَ الأَنبِيَاءِ، ضَرَبَهُ قَومُهُ فَأَدمَوهُ، فَهُوَ يَمسَحُ الدَّمَ عَن وَجهِهِ، وَيَقُولُ: «رَبِّ اغفِر لِقَومِي فَإِنَّهُم لَا يَعلَمُونَ» (١).

والحلم من الصفات العظيمة التي يريد الله من عباده أن يتحلوا بها. روى مسلم في صحيحه من حديث الأشج بن عبد القيس رضي اللهُ عنه أن النبي صلى اللهُ عليه وسلم قال: «إِنَّ فِيكَ خَصْلَتَيْنِ يُحِبُّهُمَا اللَّهُ: الحِلْمُ وَالأَنَاةُ» (٢).

وكان النبي صلى اللهُ عليه وسلم من أكثر الناس حلماً. روى البخاري ومسلم في صحيحيهما من حديث أنس بن مالك رضي اللهُ عنه أنه قال: كُنْتُ أَمْشِي مَعَ النَّبِيِّ صلى اللهُ عليه وسلم وَعَلَيْهِ بُرْدٌ نَجْرَانِيٌّ غَلِيظُ الْحَاشِيَةِ، فَأَدْرَكَهُ أَعْرَابِيٌّ فَجَذَبَهُ جَذْبَةً شَدِيدَةً، حَتَّى نَظَرْتُ إِلَى صَفْحَةِ عَاتِقِ النَّبِيِّ صلى اللهُ عليه وسلم قَدْ أَثَّرَتْ بِهِ حَاشِيَةُ الرِّدَاءِ مِنْ شِدَّةِ جَذْبَتِهِ، ثُمَّ قَالَ: مُرْ لِي مِنْ مَالِ اللَّهِ الَّذِي عِنْدَكَ، فَالْتَفَتَ إِلَيْهِ فَضَحِكَ، ثُمَّ أَمَرَ لَهُ بِعَطَاءٍ (٣).

وصدق الله إذ يقول: {وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيم (٤)} [القلم: ٤].

والصفات التي يشترك فيها الخالق والمخلوق تكون في الخالق سبحانه على قدر عظمته وجلاله وفي المخلوق بحسبه والله سبحانه وتعالى يحب من اتصف بهذه الصفات فهو حليم يحب الحلماء، وكريم يحب الكرماء، وصبور يحب الصابرين.


(١) برقم ٦٩٢٩؛ وصحيح مسلم برقم ١٧٩٢.
(٢) برقم ١٨.
(٣) صحيح البخاري برقم ٣١٤٩؛ وصحيح مسلم برقم ١٠٥٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>