وقد أخبر سبحانه عن تأخيره لعقاب من أذنب من عباده في الدنيا، وأنه لو كان يؤاخذهم بذنوبهم لما بقي على ظهر الأرض أحد، قال تعالى: {وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللهُ النَّاسَ بِظُلْمِهِم مَّا تَرَكَ عَلَيْهَا مِن دَآبَّةٍ وَلَكِن يُؤَخِّرُهُمْ إلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى فَإِذَا جَاء أَجَلُهُمْ لَا يَسْتَاخِرُونَ سَاعَةً وَلَا يَسْتَقْدِمُون (٦١)} [النحل: ٦١].
قال ابن كثير: يخبر تعالى عن حلمه بخلقه مع ظلمهم، وأنه لو يؤاخذهم بما كسبوا ما ترك على ظهر الأرض من دابة، أي لأهلك جميع دواب الأرض تبعاً لإهلاك بني آدم، ولكن الرب يحلم، ويستر وينظر، إلى أجل مسمى، ولا يعاجلهم بالعقوبة، إذ لو فعل ذلك بهم لما أبقى أحداً (١).
وقد تحصل هذه العقوبة في الدنيا كما يحدث في بعض الدول الكافرة أو التي تماثلها في الفساد والانحلال من الفيضانات والأعاصير المدمرة والزلازل المهلكة، قال تعالى: {وَلَا يَزَالُ الَّذِينَ كَفَرُوا تُصِيبُهُم بِمَا صَنَعُوا قَارِعَةٌ أَوْ تَحُلُّ قَرِيبًا مِّن دَارِهِمْ حَتَّى يَاتِيَ وَعْدُ اللهِ إِنَّ اللهَ لَا يُخْلِفُ الْمِيعَاد (٣١)} [الرعد: ٣١].
خامساً: يجوز إطلاق صفة الحلم على الخلق، فقد وصف الله أنبياءه بذلك، فقال تعالى: {إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَحَلِيمٌ أَوَّاهٌ مُّنِيب (٧٥)} [هود: ٧٥]. وقال تعالى حكاية عن قوم شعيب: {نَشَاء إِنَّكَ لأَنتَ الْحَلِيمُ الرَّشِيد (٨٧)} [هود: ٨٧]. روى البخاري ومسلم في صحيحيهما من حديث