للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يتحقق لهم مراد، فكلما هموا بأمر ورأوا ما دونه من الصعاب والشدائد ارتخت عزائمهم وضعفت إرادتهم، وحال إيثارهم للراحة والدعة دون تحقيقه، قال الشاعر:

ومَنْ رَامَ العُلَا مِنْ غَيْرِ كَدٍّ ... أَضَاعَ العُمرَ فِي طَلَبِ المُحَالِ

تَرُومُ العِزَّ ثُمَّ تَنَامُ لَيلًا ... يَغُوصُ البَحرَ مَنْ طَلَبَ الَّلآلِي

وقد أثنى الله تعالى في كتابه في غيرما موضع على أصحاب الإرادة القوية والعزيمة النافذة، فقال تعالى لنبيه صلى اللهُ عليه وسلم منبهاً له في الاقتداء بهم: {وَاذْكُرْ عِبَادَنَا إبْرَاهِيمَ وَإِسْحَقَ وَيَعْقُوبَ أُوْلِي الأَيْدِي وَالأَبْصَار (٤٥)} [ص: ٤٥]. وبها أمر ربنا تعالى نبي الله يحيى عليه السلام فقال: {يَايَحْيَى خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ} [مريم: ١٢]. وَمِنْ قَبْلُ أَمَرَ نبيه موسى عليه السلام حين أنزل عليه التوراة فقال: {فَخُذْهَا بِقُوَّةٍ وَامُرْ قَوْمَكَ يَاخُذُوا بِأَحْسَنِهَا} [الأعراف: ١٤٥]. وفي العموم يقول تعالى: {خُذُوا مَا آتَيْنَاكُم بِقُوَّةٍ} [الأعراف: ١٧١].

وقد أخبرنا جل وعلا في قصة أبينا آدم أنه أدخله الجنة وأذن له في التمتع بما فيها من النعيم إلا شجرة واحدة نهاه عن الأكل منها، فوسوس له إبليس وخادعه حتى أضعف إرادته، وحل من عزيمته، فأكل منها، فكان جزاؤه أن أُخْرِجَ من دار النعيم والحبور والسرور، وأُهْبِطَ إلى دار الأحزان والنكد والهموم والغموم، وفي ذلك يقول ربنا عزَّ وجلَّ: {وَلَقَدْ عَهِدْنَا إِلَى آدَمَ مِن قَبْلُ فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْمًا (١١٥)} [طه: ١١٥].

ولقد ضرب نبينا صلى اللهُ عليه وسلم أروع الأمثلة في قوة الإرادة ونفاذ العزيمة، فقد أتت قريش إلى أبي طالب عم النبي صلى اللهُ عليه وسلم فقالت: يا

<<  <  ج: ص:  >  >>