للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأكل ما شاء، وسكن حيث شاء، فإن قلبه ما لم يخلص إلى اليقين والهدى، فهو في قلق وحيرة وشك فلا يزال في رَيْبِهِ يتردد فهذا من ضنك المعيشة) (١). اهـ.

قال ابن القيم رحمه الله: «وفسرت هذه المعيشة بعذاب البرزخ، والصحيح أنها تتناول معيشته في الدنيا، وحاله في البرزخ؛ فإنه يكون في ضنك في الدارين، وهو شدة وجهد وضيق، وفي الآخرة يُنسى في العذاب، وهذا عكس أهل السعادة والفلاح، فإن حياتهم في الدنيا أطيب الحياة، ولهم في البرزخ وفي الآخرة أفضل الثواب» (٢).

وقوله: {وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ القِيَامَةِ أَعْمَى} [طه: ١٢٤]؛ اختلف المفسرون في ذلك: هل هو من عمى البصيرة أو من عمى البصر؟ فمن قال: إنه من عمى البصيرة، استدل بقوله تعالى: {يَوْمَ يَرَوْنَ المَلَائِكَةَ لَا بُشْرَى يَوْمَئِذٍ لِلْمُجْرِمِينَ وَيَقُولُونَ حِجْرًا مَحْجُورًا} [الفرقان: ٢٢]، وقوله تعالى: {وَتَرَاهُمْ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا خَاشِعِينَ مِنَ الذُّلِّ يَنْظُرُونَ مِنْ طَرْفٍ خَفِيٍّ وَقَالَ الَّذِينَ آَمَنُوا إِنَّ الخَاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ القِيَامَةِ أَلَا إِنَّ الظَّالِمِينَ فِي عَذَابٍ مُقِيمٍ} [الشورى: ٤٥]، وغير ذلك من الآيات التي أثبتت لهم الرؤية في الآخرة.

والذين قالوا: إنه من عمى البصر؛ استدلوا بقوله تعالى: {وَنَحْشُرُهُمْ يَوْمَ القِيَامَةِ عَلَى وُجُوهِهِمْ عُمْيًا وَبُكْمًا وَصُمًّا مَاوَاهُمْ جَهَنَّمُ كُلَّمَا خَبَتْ زِدْنَاهُمْ سَعِيرًا} [الإسراء: ٩٧].

وقد فصل في ذلك العلامة ابن القيم، وخلص إلى أن الحشر ينقسم إلى قسمين: الأول من القبور إِلى الموقف، والثاني من الموقف إلى النار.


(١) تفسير ابن كثير (٩/ ٣٧٧).
(٢) الوابل الصيب من الكلم الطيب (ص: ٧٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>