للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فعند الحشر الأول: يسمعون ويبصرون ويجادلون ويتكلمون.

وعند الحشر الثاني: يحشرون على وجوههم عميًا وبكمًا وصمًا، فلكل موقف حال يليق به، ويقتضيه عدل الرب تعالى وحكمته، والقرآن يصدق بعضه بعضًا (١): {أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ القُرْآَنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا} [النساء: ٨٢].

ثم أخبر سبحانه عن حال هذا المعرض يوم القيامة، وأنه يغشاه الذل والهوان فيتألم ويضجر من هذه الحال فيقول: رب لم حشرتني أعمى فيُجاب: {كَذَلِكَ أَتَتْكَ آَيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ اليَوْمَ تُنْسَى} [طه: ١٢٦]، أي: أن هذا هو عين عملك والجزاء من جنس العمل، وكما تدين تُدان، فكما عميت عن ذكر ربك ونسيته ونسيت حظك منه، أعمى الله بصرك في الآخرة وتركك في العذاب.

ومن فوائد الآيات الكريمات:

بيان حال من أعرض عن ذكر الله في الدنيا، وأنه يعيش في ضلال وظلام، ويتخبط في الجهالة، وهو مع هذه الحالة يحسب أنه من المهتدين. وبسبب إعراضه عن ذكر الله الذي أنزله على رسوله عاقبه بأن قيض له شيطانًا يصاحبه فيصده عن الحق، ويزين له طرق الضلال.

قال تعالى: {وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَانًا فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ * وَإِنَّهُمْ لَيَصُدُّونَهُمْ عَنِ السَّبِيلِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ} [الزخرف: ٣٦ - ٣٧]، حتى إذا وافى ربه يوم القيامة مع قرينه وعاين هلاكه ندم (٢) فقال: {يَا لَيْتَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ بُعْدَ المَشْرِقَيْنِ فَبِئْسَ القَرِينُ} [الزخرف: ٣٨].

ومنها أن من تمسك بهذا الذكر، وهو القرآن فإنه يسعد في الدنيا


(١) تفسير ابن القيم (ص: ٣٦٣).
(٢) تفسير ابن القيم (ص: ٩٥٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>