للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بمثاقيل الذر من الخطرات واللحظات، وتحققوا أنه لا ينجيهم من هذه الأخطار إلا لزوم المحاسبة، وصدق المراقبة، ومطالبة النفس في الأنفاس والحركات، ومحاسبتها في الخطرات واللحظات، فمن حاسب نفسه قبل أن يحاسب خف في القيامة حسابه، وحضر عند السؤال جوابه، وحسن منقلبه ومآبه، ومن لم يحاسب نفسه دامت حسراته، وطالت في عرصات القيامة وقفاته، وقادته إلى الخزي والمقت سيئاته» (١).

وأضر ما على المسلم الإهمال وترك المحاسبة والاسترسال وتسهيل الأمور وتمشيتها، فإن هذا يؤول به إلى الهلاك، وهذه حال أهل الغرور يغمض عينيه عن العواقب ويمشي الحال ويتكل على العفو فيهمل محاسبة نفسه والنظر في العاقبة، وإذا فعل ذلك سهل عليه مواقعة الذنوب وأنس بها، وعسر عليه فطامها ولو حضر رشده لعلم أن الحمية أسهل من الفطام، وترك المألوف والمعتاد (٢).

فحق على الحازم المؤمن بالله واليوم الآخر، أن لا يغفل عن محاسبة نفسه والتضييق عليها في حركاتها، وسكناتها، وخطراتها، وخطواتها، فكل نفس من أنفاس العمر جوهرة نفيسة لا حظ لها يمكن أن يُشترى بها كنز من الكنوز لا يتناهى نعيمه أبدا الآباد، فإضاعة هذه الأنفاس أو اشتراء صاحبها بها ما يجلب هلاكه، خسران عظيم لا يسمح بمثله إلا أجهل الناس، وأحمقهم، وأقلهم


(١) «إحياء علوم الدين» للغزالي (٤/ ٤١٨).
(٢) «إغاثة اللهفان» لابن القيِّم (١/ ١٤٧ - ١٥٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>