للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بعثته - صلى الله عليه وسلم - من قيام الساعة.

روى البخاري ومسلم في صحيحيهما من حديث أنس - رضي الله عنه -: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «بُعثِتُ أَنَا وَالسَّاعَةَ كَهَاتَينِ» قال: وضم السبابة والوسطى (١).

وقوله: «حَتَّى يُعْبَدَ اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ» هذا هو المقصود الأَعظم من بعثته وبعثة الرسل من قبله، كما قال تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَاّ نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَاّ أَنَا فَاعْبُدُونِ} [الأنبياء: ٢٥]، وقال تعالى: {وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولاً أَنِ اُعْبُدُوا اللهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ} [النحل: ٣٦]؛ بل هذا هو المقصود من خلق الخلق وإيجادهم كما قال تعالى: {وَمَا خَلَقْتُ الجِنَّ وَالإِنْسَ إِلَاّ لِيَعْبُدُونِ} [الذاريات: ٥٦]، فما خلقهم إلا ليأمرهم بعبادته، وأخذ عليهم العهد لما استخرجهم من صلب آدم، على ذلك كما قال تعالى: {وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آَدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا ... } [الأعراف: ١٧٢].

وقوله: «وَجُعِلَ رِزْقِي تَحْتَ ظِلِّ رُمْحِي» فيه إشارة إلى أن الله لم يبعثه بالسعي في طلب الدنيا ولا بجمعها واكتنازها، ولا الاجتهاد في السعي في أسبابها، وإنما بعثه داعيًا إلى توحيده بالسيف، ومن لازم ذلك أن يقتل أعداءه الممتنعين عن قبول دعوة التوحيد ويستبيح أموالهم، ويسبي نساءهم وذراريهم، فيكون رزقه مما أفاء الله من أموال أعدائه، فإِن المال إنما خلقه لبني آدم يستعينون به على طاعته وعبادته، فمن استعان به على الكفر بالله والشرك به، سلط الله عليه رسوله وأتباعه، فانتزعوه منه وأعادوه إلى من هو أولى به من أهل


(١) صحيح البخاري برقم (٦٥٠٤)، وصحيح مسلم برقم (٢٩٥١).

<<  <  ج: ص:  >  >>