الدين شيركوه، فحكم شيركوه مصر ثم توفي، فقام بعده صلاح الدين ودانت له العساكر، وقهر بني عبيد ومحى دولتهم، وفي سنة (٥٨٣ هـ) فتح طبرية، ونازل عسقلان ثم كانت وقعة حطين بينه وبين الفرنج، وكانوا أربعين ألفًا فحال بينهم وبين الماء على تل وسلموا أنفسهم وأُسرت ملوكهم، وبادر فأخذ عكا، وبيروت، وكوكب، وسار فحاصر القدس وَجَدَّ في ذلك، فأخذها بالأمان، ثم إن الإفرنج قامت قيامتهم على بيت المقدس وأقبلوا كقطع الليل المظلم برًّا وبحرًا، وأحاطوا بعكا ليستردوها وطال حصارهم لها وبنوا على أنفسهم خندقًا فأحاط بهم السلطان ودام الحصار لهم وعليهم نيفًا وعشرين شهرًا، وجرى في غضون ذلك ملاحم، وحروب تشيب لها النواصي» (١).
ومن أخباره التي تدل على شدته على الكفار، وغيرته على الإسلام، أنه لما أسر ملوك الأفرنج في معركة حطين، كان قد نذر أن يقتل أرناط وهو صاحب الكرك، فأسره يومئذ وكان قد مر به قوم من مصر في حال الهدنة، فغدر بهم، فناشدوه الصلح، فقال ما فيه استخفاف بالنبي صلى اللهُ عليه وسلم وقتلهم، فاستحضر صلاح الدين الملوك، ثم ناول الملك جفري شربة جلاب ثلج، فشرب، فناول أرناط، فشرب، فقال السلطان للترجمان: قل لجفري: أنت الذي سقيته، وإلا أنا فما سقيته، ثم استحضر البرنس أرناط في مجلس آخر وقال: أنا أنتصر لمحمد صلى اللهُ عليه وسلم منك، ثم عرض عليه الإسلام فأبى،