فحل كتفه بالنيمجاه (١)، وافتتح عامه ما لم يفتحه ملك، وطار صيته في الدنيا، وهابته الملوك.
قال ابن كثير:«كان السلطان صلاح الدين من أشجع الناس وأقواهم قلبًا وبدنًا مع ما كان يعتري جسمه من الأمراض والأسقام، ولا سيما وهو مرابط مصابر مثابر عند عكا، فإنه كان مع كثرة جموعهم وأمدادهم لا يزيده ذلك إلا قوة وشجاعة، وقد بلغت جموعهم خمسمائة ألف مقاتل ويقال: ستمائة ألف، وكان جملة من قُتل منهم مائة ألف مقاتل، ولما انفصل الحال وتسلموا عكا وقتلوا أكثر من كان بها، وساروا برمتهم نحو بيت المقدس جعل يسايرهم منزلة منزلة ومرحلة مرحلة وجيوشهم أضعاف أضعاف من معه، ومع هذا نصره الله، وخذلهم، وأيَّده وقتلهم، وسبقهم إلى بيت المقدس فصانه وحماه وشيد بنيانه، ولم يزل بجيشه مقيمًا به، يرهبهم، ويرعبهم ويكسرهم، ويأسرهم، حتى تضرعوا إليه وخضعوا لديه ودخلوا عليه أن يصالحهم ويتاركهم وتضع الحرب أوزارها بينهم وبينه، فأجابهم إلى ما سألوا على الوجه الذي أراده لا ما يريدونه، وكان ذلك من جملة الرحمة التي خص بها المؤمنون».
وكان رحمه الله سخيًّا، كريمًا، حبيبًا، ضحوك الوجه، كثير البشر، لا يتضجر من خير يفعله، شديد المصابرة والمثابرة على الخيرات
(١) النيمجاه: خنجر مقوس يشبه السيف القصير وهو معرب نيمجه. «سير أعلام النبلاء» (٢١/ ٢٨٥).