قال العماد: أطلق في مدة حصار عكا اثني عشر ألف فرس، وما حضر اللقاء إلا استعار فرسًا، نزَّه المجالس من الهزل، ومحافله آهلة بالفضلاء، حليمًا، مقيلًا للعثرة، تقيًّا، نقيًّا، وفيًّا صفيًّا، يُغضِي ولا يغضب، ما رد سائلًا ولا خَجَّل قائلًا، كثير البر والصدقات.
قال الموفق عبد اللطيف: أتيت صلاح الدين بالقدس فرأيت ملكًا يملأ العيون روعة، والقلوب محبة قريبًا بعيدًا سهلًا محببًا وأصحابه يتشبهون به، يتسابقون إلى المعروف كما قَالَ تَعَالَى:{وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِم مِّنْ غِلٍّ إِخْوَانًا}[الحجر: ٤٧] وأول ليلة حضرتُهُ وجدت مجلسه حافلًا بأهل العلم يتذاكرون وهو يحسن الاستماع والمشاركة ويأخذ في كيفية بناء الأسوار وحفر الخنادق ويأتي بكل معنى بديع، وكان مهتمًّا في بناء سور بيت المقدس وحفر خندقه ويتولى ذلك بنفسه وينقل الحجارة على عاتقه ويتأسى به الخلق. اهـ.
وكان السلطان صلاح الدين متقللًا في ملبسه ومأكله ومشربه ومركبه، فلا يلبس إلا القطن والكتان والصوف، ولا يعرف أنه تخطى مكروهًا بعد أن أنعم عليه بالملك بل كان همه الأكيد ومقصوده الأعظم نصر الإسلام وكسر الأعداء اللئام، ويعمل فكره في ذلك ورأيه وحده مع من يثق برأيه ليلًا ونهارًا، سرًّا وجهرًا، ومع هذه الفضائل والآداب، فقد كان مواظبًا على الصلوات في