للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا وَلَوْ شَاء رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُون} [الأنعام: ١١٢] (١).

روى أبو داود في سننه من حديث ابن عباس رضي الله عنه قال: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ أَحَدَنَا يَجِدُ فِي نَفْسِهِ يُعَرِّضُ بِالشَّيْءِ، لَأَنْ يَكُونَ حُمَمَةً (٢) أَحَبُّ إِلَيْهِ مِنْ أَنْ يَتَكَلَّمَ بِهِ، فَقَالَ: «اللَّهُ أَكْبَرُ، اللَّهُ أَكْبَرُ، اللَّهُ أَكْبَرُ، الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي رَدَّ كَيْدَهُ إِلَى الْوَسْوَسَةِ» (٣).

وروى البخاري ومسلم في صحيحيهما من حديث أبي هريرة رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إِنَّ اللَّهَ تَجَاوَزَ عَنْ أُمَّتِي مَا حَدَّثَتْ بِهِ أَنْفُسَهَا، مَا لَمْ تَعْمَلْ، أَوْ تَتَكَلَّمْ» (٤).

قال ابن القيم رحمه الله: «وتأمل حكمة القرآن وجلالته كيف أوقع الاستعاذة من شر الشيطان الموصوف بأنه {الَّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاس * مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاس}، ولم يقل: من شر وسوسته، لتعم الاستعاذة شره جميعه، فإن قوله: {مِن شَرِّ الْوَسْوَاسِ الْخَنَّاس} تعم كل شره، ووصفه بأعظم صفاته، وأشدها شرًا، وأقواها تأثيرًا، وأعمها فسادًا، وهي الوسوسة التي هي مبادئ الإرادة، فإن القلب يكون فارغًا من الشر، والمعصية فيوسوس إليه، ويخطر الذنب بباله، فيصوره لنفسه ويمنيه ويشهيه، فيصير شهوة، ويزينها له ويحسنها، ويخيلها له في خياله،


(١) بدائع التفسير، لابن القيم (٥/ ٤٦٣ - ٤٦٤) باختصار.
(٢) حممة: أي فحمًا.
(٣) برقم ٥١١٢، وصححه الألباني في صحيح سنن أبي داود (٣/ ٩٦٢) برقم ٤٢٦٤.
(٤) صحيح البخاري برقم ٥٢٦٩، وصحيح مسلم برقم ١٢٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>