للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عظيم إلا أنه قد تلجئ إليها الضرورة، قيل له: فأيما أفضل الكلام أو السكوت؟ قال: الإمساك أحبُّ إليَّ، قيل له: فإذا كانت ضرورة؟ فجعل يقول: الضرورة الضرورة، وقال: الإمساك أسلم له.

وليعلم المفتي أنه يوقِّع عن الله أمره، ونهيه، وأنه موقوف، ومسؤول عن ذلك، وكان الإمام مالك إذا سُئل عن مسألة كأنه واقف بين الجنة والنار، «وجاءه رجل مسافر فسأله عن أربعين مسألة، فأجابه عن خمس مسائل، وقال عن البقية: (لا أدري)، فقال الرجل: جئتك من كذا وكذا، وتقول: (لا أدري)، قال: نعم، اركب راحلتك، وقل للناس: سألت مالكًا؟ وقال: (لا أدري)» (١). وَقَالَ بَعضُ العُلَمَاءِ لِبَعضِ المُفتِينَ: «إِذَا سُئِلتَ عَن مَسأَلَةٍ، فَلَا يَكُنْ هَمُّكَ تَخلِيصَ السَّائِلِ، وَلَكِنْ تَخلِيصَ نَفسِكَ أَوَّلًا» (٢).

ومن الأسباب التي أدت إلى التساهل في الفتوى:

أولًا: حب الظهور وبريق الشهرة، فصاحب الفتاوى المتساهلة تزداد شعبيته، وتكثر جماهيره، ويُثنى عليه بأنه معتدل، وأنه يمثل المنهج الوسطي ... وغير ذلك من العبارات البراقة، بينما صاحب الورع والفتوى المستندة إلى الأدلة الشرعية يوصف بأنه متشدد، وأنه لا يعرف إلا لغة التحريم، وأنه يشق على الناس ويثقل عليهم.

ثانيًا: الجهل وعدم دراسة الأحكام الشرعية دراسة منهجية مؤصلة:


(١) سير أعلام النبلاء (٨/ ٧٧).
(٢) ذم المال والجاه، للحافظ ابن رجب الحنبلي ص: ٣٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>