للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أو أحل ما حرم، بمجرد الآراء والأهواء التي لا مستند لها، ولا دليل عليها، ثم توعدهم على ذلك يوم القيامة» (١). وفي هذا العصر تساهل الناس في تلقي الفتوى، فصار لكل قناة من القنوات الإذاعية مفت أو أكثر، والقنوات الفضائية صار لها مفت أو أكثر، وكذلك الجرائد والمجلات التي تنشر الفسق، والفجور لها مفت، والذين يفتون المثقفون، والأطباء، والصحفيون، والمهندسون .. وغيرهم من الجهال (٢). روى البخاري ومسلم في صحيحيهما من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إِنَّ اللَّهَ لَا يَقْبِضُ الْعِلْمَ انْتِزَاعًا يَنْتَزِعُهُ مِنَ الْعِبَادِ، وَلَكِنْ يَقْبِضُ الْعِلْمَ بِقَبْضِ الْعُلَمَاءِ، حَتَّى إِذَا لَمْ يُبْقِ عَالِمًا، اتَّخَذَ النَّاسُ رُؤُوسًا جُهَّالًا، فَسُئِلُوا فَأَفْتَوْا بِغَيْرِ عِلْمٍ، فَضَلُّوا وَأَضَلُّوا» (٣).

ولذلك كان السلف يكرهون الجرأة على الفتيا والحرص عليها والمسارعة إليها، والإكثار منها، قال عبد الرحمن بن أبي ليلى: «أدركت مئة وعشرين من الأنصار من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يُسْأَلُ أحدهم عن المسألة، ما منهم من أحد إلا ودَّ أن أخاه كفاه. وفي رواية: فيردها هذا إلى هذا، وهذا إلى هذا حتى يرجع إلى الأول» (٤).

قال الإمام أحمد: «من عرض نفسه للفتيا، فقد عرضها لأمر


(١) تفسير ابن كثير (٧/ ٣٧٣).
(٢) الفتوى بين مطابقة الشرع، ومسايرة الأهواء، للشيخ صالح آل الشيخ ص: ٩.
(٣) صحيح البخاري برقم ١٠٠، وصحيح مسلم برقم ٢٦٧٣.
(٤) سنن الدارمي (١/ ٥٣)، وابن عبد البر في جامع بيان العلم وفضله (٢/ ١٦٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>