وقد جرت عادة المسلمين في جميع الأقطار والأمصار، البدء في تعليم الولدان بالقرآن الكريم. قال العلامة ابن خلدون:«إن تعليم الولدان للقرآن شعار من شعائر الدين، أخذ به أهل الملة، ودرجوا عليه في جميع أمصارهم، لما يسبق فيه إلى القلوب من رسوخ الإيمان وعقائده من آيات القرآن، وبعض متون الأحاديث، وصار القرآن أصل التعليم الذي ينبني عليه ما يحصل بعده من الملكات، وسبب ذلك: أن تعليم الصغر أشد رسوخًا وهو أصل لما بعد، لأن السابق الأول للقلوب كالأساس للملكات»(١).
وعلى هذا فإنه لا يلزم السير على ترتيب سور القرآن، فإذا تعلم الطفل الفاتحة، وبعض السور القصيرة التي يقيم بها صلاته كالإخلاص، والمعوذتين، فإنه ينبغي أن يختار له من مقاطع الآيات ما يسهل فهمه وحفظه، وما هو مشتمل على الآداب التي يحتاج إليها، كوصية لقمان لابنه، وكالوصية بالوالدين ونحو ذلك.
«ومنها: التدرج في التعليم للمتعلمين شيئًا فشيئًا، وقليلًا قليلًا، يُلقى عليه أولًا مسائل من كل باب من الفن هي أصول ذلك الباب، ويقرب له في شرحها على سبيل الإجمال، ويراعى في ذلك قوة عقله واستعداده لقبول ما يُورد عليه حتى ينتهي إلى آخر الفن، وعند ذلك يحصل له ملكة في ذلك العلم، إلا أنها جزئية وضعيفة، وغايتها أنها هيأته لفهم الفن وتحصيل مسائله، ثم يرجع به إلى الفن ثانية، فيرفعه في التلقين عن تلك الرتبة إلى أعلى منها، ويستوفي الشرح والبيان،