للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال الشيخ علي الطنطاوي: «إني أحاول أن ألقي اليوم خطبة فلا تقولوا: قد شبعنا من الخطب، إنكم قد شبعتم من الكلام الفارغ الذي يلقيه أمثالي من مساكين الأدباء، أما الخطب فلم تسمعوها إلا قليلًا، الخطب العبقريات الخالدات التي لا تنسج من حروف، ولا تؤلف من كلمات، ولكنها تنسج من خيوط النور الذي يضيء طريق الحق لكل قلب، وتحاك من أسلاك النار التي تبعث لهب الحماسة في كل نفس ولا تقولوا: ماذا تصنع الخطب؟

فخطبة طارق هي التي فَتَحَتِ الأندلس، وأُقِيمَتْ بها دولة الإسلام قرونًا عديدة» (١). ومعركة الإسلام الفاصلة «بدر الكبرى» قامت على كلمات معدودة، ألقاها سيد الأوس سعد بن معاذ رضي الله عنه. فعندما استشار النبي صلى الله عليه وسلم الناس في الذهاب إلى ملاقاة المشركين في بدر قام سعد بن معاذ خطيبًا فقال: والله لكأنك تريدنا يا رسول الله؟ قال: «أجل» قال: فقد آمنَّا بك وصدقناك، وشهدنا أن ما جئت به هو الحق، وأعطيناك على ذلك عهودنا، ومواثيقنا على السمع والطاعة لك، فامض بنا يا رسول الله لما أردت، فنحن معك، فوالذي بعثك بالحق لو استعرضت بنا البحر فخضته لخضناه معك ما تخلف منا رجل واحد، وما نكره أن تلقى بنا عدونا غدًا، إنا لَصُبُرٌ في الحرب، صُدُقٌ في اللقاء، لعل الله يريك منا ما تقر به عينك، فَسِرْ بنا على بركة الله، فَسُرَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم بقول سعد، ونشطه ذلك، ثم قال: «سِيرُوا وَأَبْشِرُوا،


(١) هتاف المجد للشيخ علي الطنطاوي (ص: ٢٣)، بتصرف.

<<  <  ج: ص:  >  >>