للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وهذا الحديث يدل على كفاءته العظيمة، ومنزلته عند النبي - صلى الله عليه وسلم -، ومن المواقف التي تدل على ورعه وتقواه أنه اعتزل الفتنة التي حدثت بين الصحابة، وجاء إليه أصحابه وقالوا: يا سعد ألا تشارك معنا في القتال؟ قال: لا، حتى تأتوني بسيف له عينان ولسان يقول هذا مؤمن وهذا كافر، وأنشد يقول:

لَا تَخْلِطَنَّ خَبيثَاتِ بِطِيَبةٍ ... وَاخْلَعْ ثِيَابكَ منْهَا وَانْجُ عُريَانًا

ومنها ما رواه مسلم في صحيحه من حديث عَامِرِ بْنِ سَعْدٍ قَالَ: كَانَ سَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ فِي إِبِلِهِ، فَجَاءَهُ ابْنُهُ عُمَرُ، فَلَمَّا رَأَىهُ سَعْدٌ قَالَ: أَعُوذُ بِاللهِ مِنْ شَرِّ هَذَا الرَّاكِبِ، فَنَزَلَ فَقَالَ لَهُ: أَنَزَلْتَ فِي إِبِلِكَ وَغَنَمِكَ، وَتَرَكْتَ النَّاسَ يَتَنَازَعُونَ الْمُلْكَ بَيْنَهُمْ؟ ! فَضَرَبَ سَعْدٌ فِي صَدْرِهِ فَقَالَ: اسْكُتْ، سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: «إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْعَبْدَ التَّقِيَّ الْغَنِيَّ الْخَفِيَّ» (١).

والمراد بالغني غني النفس، والخفي المنقطع إلى العبادة، والاشتغال بأمور نفسه لا يبغي منصبًا ولا شهرة.

قال الذهبي رحمه الله: اعتزل سعد الفتنة فلا حضر الجمل ولا صفين ولا التحكيم، ولقد كان أهلا للإمامة كبير الشأن - رضي الله عنه - (٢).

ولما احتضر قال ابنه مصعب: كان رأسه في حجري، فبكيت، فرفع رأسه إليَّ فقال: أي بني ما يبكيك؟ قلت: لمكانك وما أرى بك. قال: لا تبكِ فإن الله لا يعذبني أبدًا، وإِنِّي من أهل الجنة،


(١) صحيح مسلم برقم (٢٩٦٥).
(٢) سير أعلام النبلاء (١/ ١٢٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>