وها هنا مسألة مهمة ينبغي للمسلم فهمها فهمًا صحيحًا، وهي التوفيق بين التوكل وفعل السبب، فأقول:
أولاً: التوكل هو عمل القلب واعتماده على الله تعالى في جلب الخير ودفع الشر، وفي جميع أمور العبد كلها الدنيوية والأخروية، أما الأسباب فإنها عمل الجوارح فعلًا وتركًا.
ثانيًا: من الناس من يترك فعل الأسباب كلها ويدَّعي أنه من المتوكلين، ومنهم من يتعلق قلبه بالأسباب ويعتقد أنه لا يتم له أمر إلا بفعل سبب، وكلا الطائفتين قد جانبت الصواب.
والحق أن المتوكل حقيقة هو من فوض أمره إلى الله ثم نظر، فإن كان هذا الأمر له أسباب مشروعة فعلها انقيادًا للشرع لا اعتمادًا عليها، ولا انقيادًا لها، وإنما امتثالاً لأمر الشارع، فإن لم يكن هناك أسباب مشروعة اكتفى بالتوكل على الله.
يشهد لما تقدم ما رواه الترمذي في سننه من حديث أَنَسٍ - رضي الله عنه -: قَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللهِ أَعْقِلُهَا وَأَتَوَكَّلُ، أَوْ أُطْلِقُهَا وَأَتَوَكَّلُ؟ قَالَ:«اعْقِلْهَا وَتَوَكَّلْ»(١).
أما الطائفة الأخرى التي تعلقت قلوبها بالأسباب، فقد ضعف عندها الإِيمان بكفاية الله تعالى لمن توكل عليه، فتراها تجتهد في فعل الأسباب وإن لم تكن مطلوبة شرعًا أو عقلاً، وقد أخطأ هؤلاء حين ظنوا أنه لا يتم أمر إلا بسبب.
(١) سنن الترمذي برقم (٢٥١٧)، وحسنه الألباني في صحيح سنن الترمذي (٢/ ٣٠٩) برقم (٢٠٤٤).