للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فالله عز وجل يعطي ويمنع بسبب وبغير سبب، وقد أخبر سبحانه في آيات كثيرة أن في التوكل على الله كفاية للعبد.

قال تعالى: {أَلَيْسَ اللهُ بِكَافٍ} [الزمر: ٣٦] وقال عز وجل: {وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ فَهُوَ حَسْبُهُ} [الطلاق: ٣]. أي كافيه، وقال تعالى: {وَكَفَى بِاللهِ وَكِيلاً} [الأحزاب: ٣].

قال ابن رجب رحمه الله: والمتوكل حقيقة من يعلم أن اللَّه قد ضمن لعبده رزقه وكفايته، فَيصدق اللَّه فيما ضمنه، ويثق بقلبه، ويحقق الاعتماد عليه فيما ضمنه من الرزق من غير أن يخرج التوكل مخرج الأسباب في استجلاب الرزق به، والرزق مقسوم لكل أحدٍ من برٍ وفاجر ومؤمن وكافر، كما قال تعالى: {وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الأَرْضِ إِلَاّ عَلَى اللهِ رِزْقُهَا} [هود: (٦)].

هذا مع ضعف كثير من الدواب وعجزها عن السعي في طلب الرزق، قال تعالى: {وَكَأَيِّنْ مِنْ دَابَّةٍ لَا تَحْمِلُ رِزْقَهَا اللهُ يَرْزُقُهَا وَإِيَّاكُمْ} [العنكبوت: ٦٠].

فما دام العبد حيًا فرزقه على اللَّه وقد ييسره اللَّه بكسب وبغير كسب، فمن توكل على اللَّه لطلب الرزق فقد جعل التوكل سببًا وكسبًا ومن توكل عليه لثقته بضمانه، فقد توكل عليه ثقة به وتصديقًا، وما أحسن قول المثنّى الأنباري وهو من أعيان أصحاب الإمام أحمد: لا تكونوا بالمضمون مهتمين، فتكونوا للضامن متهمين وبرزقه غير راضين (١).

واعلم يا عبد الله أن التوكل مرتبة عظيمة لا ينال كمالها إلا القليل من العباد، والمتوكلون أحباء الله وأولياؤه.


(١) جامع العلوم والحكم (٢/ ٥٠٨).

<<  <  ج: ص:  >  >>