للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بَالُ دَعْوَى الْجَاهِلِيَّةِ؟ ! » قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، كَسَعَ رَجُلٌ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ رَجُلا مِنَ الأَنْصَارِ، فَقَالَ: «دَعُوهَا فَإِنَّهَا مُنْتِنَةٌ»، فَسَمِعَ بِذَلِكَ عَبْدُ اللَّه بْنُ أُبَيٍّ، فَقَالَ: فَعَلُوهَا، أَمَا وَاللَّهِ لَئِنْ رَجَعْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَّ، فَبَلَغَ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم -، فَقَامَ عُمَرُ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّه، دَعْنِي أَضْرِبْ عُنُقَ هَذَا الْمُنَافِقِ، فَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: «دَعْهُ لَا يَتَحَدَّثُ النَّاسُ أَنَّ مُحَمَّدًا يَقْتُلُ أَصْحَابَهُ» (١).

وفي الصحيحين أن عائشة -رضي الله عنها- قالت: سألت النبي - صلى الله عليه وسلم - عن الجدر أَمِنَ الْبَيْتِ هُوَ؟ قَالَ: «نَعَمْ». قُلْتُ: فَمَا لَهُمْ لَمْ يُدْخِلُوهُ فِي الْبَيْتِ؟ قَالَ: «إنَّ قَوْمَكِ قَصَّرَتْ بِهِمُ النَّفَقَةُ». قُلْتُ: فَمَا شَأْنُ بَابِهِ مُرْتَفِعًا؟ قَالَ: «فَعَلَ ذَلِكَ قَوْمُكِ لِيُدْخِلُوا مَنْ شَاءُوا، وَيَمْنَعُوا مَنْ شَاءُوا، وَلَوْلا أَنَّ قَوْمَكِ حَدِيثٌ عَهْدُهُمْ بِالْجَاهِليَّةِ فَأَخَافُ أَنْ تُنْكِرَ قُلُوبُهُمْ أَنْ أُدْخِلَ الْجدر فِي الْبَيْتِ، وَأَنْ ألْصِقَ بَابَهُ فِي الْأَرْضِ» (٢).

فهذه الأحاديث السابقة تدل على حرصه - صلى الله عليه وسلم - على تأليف قلوب الناس، وجمع الكلمة، ومراعاة المصالح والمفاسد، بل إن الكذب وهو من كبائر الذنوب أُجيز في حالات معينة، منها تأليف القلوب، وجمع الكلمة، والإصلاح بين الناس، فكما جاء في الحديث: «لَيْسَ الْكَذَّابُ الَّذِي يُصْلِحُ بَيْنَ النَّاسِ فَيَنْمِي خَيْرًا أَوْ يَقُولُ خَيْرًا» (٣)

قال الشيخ محمد بن إسماعيل الصنعاني -رحمه الله-: «وانظر في


(١). برقم (٣٥١٨).
(٢). صحيح البخاري برقم (٧٢٤٣) وصحيح مسلم برقم (١٣٣٣).
(٣). صحيح البخاري برقم (٢٦٩٢) وصحيح مسلم برقم (٢٦٠٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>