فلما ذاقوا عاقبة معصيتهم للرسول - صلى الله عليه وسلم -، وتنازعهم، وفشلهم، كانوا بعد ذلك أشد حذرًا ويقظة، وتحرُّزًا من أسباب الخذلان.
ومنها: أن حكمة الله وسنته في رسله وأتباعهم، جرت بأن يُدالوا مرة، ويُدال عليهم أخرى، لكن تكون لهم العاقبة، فإنهم لو انتصروا دائمًا، دخل معهم المؤمنون وغيرهم، ولم يتميز الصادق من غيره، ولو انتُصِر عليهم دائمًا، لم يحصل المقصود من البعثة والرسالة، فاقتضت حكمة الله أن جمع لهم بين الأمرين ليتميز من يتبعهم ويطيعهم للحق وما جاؤوا به، ممن يتبعهم على الظهور والغلبة خاصة.
ومنها: أن هذا من أعلام الرسل، كما قال هرقل لأبي سفيان: هل قاتلتموه؟ قال: نعم. قال: كيف الحرب بينكم وبينه؟ قال: سجال، يُدال علينا المرة، ونُدال عليه الأخرى، قال: كذلك الرسل تُبتلى، ثم تكون لهم العاقبة (١).
ومنها: أن يتميز المؤمن الصادق من المنافق الكاذب، فإن المسلمين لما أظهرهم الله على أعدائهم يوم بدر، وطار لهم الصِّيتُ، دخل معهم في الإسلام ظاهرًا من ليس معهم فيه باطنًا، فاقتضت حِكمة الله - عز وجل - أن سبَّب لعباده محنة ميزت بين المؤمن والمنافق، فأطلع المنافقون رؤوسهم في هذه الغزوة، وتكلموا
(١). أخرجه البخاري برقم ٧، ومسلم برقم ١٧٧٣ من حديث أبي سفيان.