للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بما كانوا يكتمونه، وظهرت مُخَبَّاتهم، وعاد تلويحهم تصريحًا، وانقسم الناس إلى كافر، ومؤمن، ومنافق، انقسامًا ظاهرًا، وعرف المؤمنون أن لهم عدوًا في نفس دورهم، وهم معهم لا يُفارقونهم، فاستعدوا لهم، وتحرزوا منهم. قال الله تعالى: {مَا كَانَ اللَّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَجْتَبِي مِنْ رُسُلِهِ مَنْ يَشَاءُ} [آل عمران: ١٧٩]. أي: ما كان الله ليذركم على ما أنتم عليه من التباس المؤمنين بالمنافقين، حتى يميز أهل الإيمان من أهل النفاق، كما ميزهم بالمحنة يوم أحد، وما كان الله ليطلعكم على الغيب الذي يميز به بين هؤلاء وهؤلاء، فإنهم متميزون في غيبه وعلمه، وهو -سُبْحَانَهُ- يريد أن يميزهم تمييزًا مشهودًا، فيقع معلومه الذي هو غيبٌ شهادةٌ. وقوله: {وَلَكِنَّ اللَّهَ يَجْتَبِي مِنْ رُسُلِهِ مَنْ يَشَاءُ} استدراك لما نفاه من اطلاع خلقه على الغيب، سوى الرسل، فإنه يُطلعهم على ما يشاء من غيبه، كما قال: {عَالِمُ الْغَيْبِ فَلَا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا (٢٦) إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ} [الجن: ٢٦ - ٢٧]. فحظكم أنتم وسعادتكم في الإيمان بالغيب الذي يُطلع عليه رسله، فإن آمنتم به وأيقنتم، فلكم أعظمُ الأجر والكرامة.

ومنها: استخراج عبودية أوليائه وحزبه في السراء والضراء، وفيما يُحبون وما يكرهون، وفي حال ظفرهم وظفر أعدائهم بهم، فإذا ثبتوا على الطاعة والعبودية فيما يُحبون وما يكرهون، فهم

<<  <  ج: ص:  >  >>