أن الشُّبه التي قدح فيها أعداء الرسل برسالتهم من الأدلة على إبطال قول المكذبين، فإن الأقوال التي قالوها، ولم يكن عندهم غيرها، ليس لها حظ من العلم والحقيقة عند كل عاقل، فقول قوم نوح: {مَا نَرَاكَ إِلَّا بَشَرًا مِثْلَنَا وَمَا نَرَاكَ اتَّبَعَكَ إِلَّا الَّذِينَ هُمْ أَرَاذِلُنَا بَادِيَ الرَّأْيِ وَمَا نَرَى لَكُمْ عَلَيْنَا مِنْ فَضْلٍ بَلْ نَظُنُّكُمْ كَاذِبِينَ (٢٧)} [هود:٢٧]، تأمل جملها تجدها تمويهات دالة على أنهم مبطلون مكابرون للحقيقة، فقولهم:{مَا نَرَاكَ إِلَّا بَشَرًا مِثْلَنَا} فهل في كون الحق جاء على يد بشر شيء من الشبهة تدل على أنه ليس بحق؟ ومضمون هذا الكلام أن كل قول قاله البشر من أي مصدر يكون باطلًا، وهذا قدح منهم في جميع العلوم البشرية المستفادة من البشر، ومعلوم أن هذا يبطل العلوم كلها، فهل عند البشر علوم إلا مستفيدها بعضهم من بعض وهي متفاوتة؟ فأعظمها وأصدقها وأنفعها ما تلقاه الناس عن الرسل الذين علومهم عن وحي إلهي.
وكذلك قولهم:{وَمَا نَرَى لَكُمْ عَلَيْنَا مِنْ فَضْلٍ} أي: نحن وأنتم بشر، وقد أجابت الرسل كلهم عن هذه المقالة فقالوا:{إِنْ نَحْنُ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَمُنُّ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ}[إبراهيم:١١]، فمن الله على الرسل، وخصهم بالوحي والرسالة مع أن إنكارهم عليهم من هذه الجهة من أكبر الجهل وأعظم