للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

اختتن ... وأول الناس رأى الشيب، فقال: «يَا رَبِّ! مَا هَذَا؟ فَقَالَ اللَّه تبارك وتعالى: وقارٌ يا إبراهيم، فَقَالَ: رَبِّ زِدْنِي وَقَارًا» (١).

وقد شهد الله سبحانه بأنه وفى ما أُمر به، فقال تعالى: {وَإِبْرَاهِيمَ الَّذِي وَفَّى (٣٧)} [النجم:٣٧]، قال ابن عباس: وفى جميع شرائع الإسلام، ووفى ما أُمر به من تبليغ الرسالة.

وقال تعالى: {وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا ... } [البقرة:١٢٤]، فلما أتم ما أُمر به من الكلمات، جعله الله إمامًا للخلائق يأتمون به، وكان - صلى الله عليه وسلم - كما قيل: قلبه للرحمن، وولده للقربان، وبدنه للنيران، وماله للضيفان.

ولما اتخذه ربه خليلًا، والخلة هي كمال المحبة، وهي مرتبة لا تقبل المشاركة والمزاحمة، وكان قد سأل ربه أن يهب له ولدًا صالحًا، فوهب له إسماعيل، فأخذ هذا الولد شعبة من قلبه، فامتحنه سبحانه بذبحه ليظهر سر الخلة في تقديمه محبة خليله على محبة ولده، فلما استسلم لأمر ربه، وعزم على فعله، وظهر سلطان الخلة في الإقدام على ذبح الولد إيثارًا لمحبة خليله على محبته، نسخ الله تعالى ذلك عنه، وفداه بالذبح العظيم؛ لأن المصلحة في الذبح كانت ناشئة من العزم وتوطين النفس على ما أُمر به، فلما حصلت هذه المصلحة عاد الذبح


(١) موطأ مالك ص ٦٠٥ برقم ٢٨٨٢، وقال محققه: أثر صحيح إلى سعيد بن المسيب.

<<  <  ج: ص:  >  >>