وذلك أن الشاهد الذي شهد - أي: حكم على يوسف وعلى المرأة - اعتبر القرينة، فقال:{إِنْ كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ قُبُلٍ}[يوسف:٢٦]، إلى آخر القضية، وصار حكمه هذا موافقًا للصواب، ومن القرائن وجود الصواع على رحل الأخ، وقد اعتبر هذا وهذا.
ومنها: ما عليه يوسف من الجمال الباهر ظاهرًا وباطنًا؛ فإن جماله الظاهر أوجب لامرأة العزيز ما أوجب من الحب المفرط والمراودة المستمرة، ولما لامها النساء دعتهن {وَأَعْتَدَتْ لَهُنَّ مُتَّكَأً وَآتَتْ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ سِكِّينًا وَقَالَتِ اخْرُجْ عَلَيْهِنَّ فَلَمَّا رَأَيْنَهُ أَكْبَرْنَهُ وَقَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ وَقُلْنَ حَاشَ لِلَّهِ مَا هَذَا بَشَرًا إِنْ هَذَا إِلَّا مَلَكٌ كَرِيمٌ (٣١)} [يوسف:٣١].
وأما جماله الباطن فهو العفة العظيمة مع وجود الدواعي الكثيرة لوقوع السوء منه، ولكن الإيمان ونوره، والإخلاص وقوته لا يشذ عنهما فضيلة، ولا تجامعهما رذيلة، وقد بينت امرأة العزيز للنساء من يوسف الأمرين؛ فإنها لما أرتهن جماله الظاهر الذي اعترفن أن هذا الجمال لا يوجد في الآدميين قالت:{وَلَقَدْ رَاوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ فَاسْتَعْصَمَ}[يوسف:٣٢]، وقالت بعد ذلك: {الْآنَ حَصْحَصَ الْحَقُّ أَنَا رَاوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ وَإِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ (٥١)} [يوسف:٥١].
ومنها: أن يوسف - عليه السلام - اختار السجن على المعصية، فهكذا إذا ابتلي العبد بأحد أمرين، إما أن يلجأ إلى فعل المعصية،