للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فجاء بها إلى خديجة ترعد فرائصه من الفرق (١)، وأخبرها بما رآه وما جرى عليه، فقالت خديجة - رضي اله عنها -: أبشر، فوالله لا يخزيك الله أبدًا؛ إنك لتصل الرحم، وتقري الضيف، وتحمل الكل، وتكسب المعدوم، وتعين على نوائب الحق (٢).

أي: ومن كانت هذه صفته فإنها تستدعي نعمًا من الله أكبر منها وأعظم، وكان هذا من توفيق الله لها ولنبيه، ومن تهوين القلق الذي أصابه، وبهذه السورة ابتدأت نبوته، ثم فتر عنه الوحي مدة ليشتاق إليه وليكون أعظم لموقعه عنده، وكان قد رأى الملك على صورته فانزعج، فجاء إلى خديجة أيضًا ترعد فرائصه فقال: «دَثِّرُونِي دَثِّرُونِي» (٣)، فأنزل الله عليه: {يَاأَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ (١) قُمْ فَأَنْذِرْ (٢) وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ (٣) وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ (٤) وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ (٥)} [المدثر:١ - ٥].

فكان في هذا الأمر له بدعوة الخلق وإنذارهم، فشمر - صلى الله عليه وسلم - عن عزمه، وصمم على الدعوة إلى ربه مع علمه أنه سيقاوم بهذا الأمر البعيد والقريب، وسيلقى كل معارضة من قومه ومن غيرهم وشدة، ولكن الله أيده وقوى عزمه، وأيده بروح منه، وبالدين الذي جاء به، وجاءته سورة الضحى في فترة الوحي


(١) الفرق: الخوف.
(٢) البخاري برقم ٦٩٨٢، ومسلم برقم ١٦٠.
(٣) أحمد برقم ١٥٠٣٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>