لما قال المكذبون: إن رب محمد قلاه. قال تعالى: {وَالضُّحَى (١) وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَى (٢) مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى (٣)} [الضحى:١ - ٣].
وهذا اعتناء عظيم من الله برسوله، ونفي لكل نقص، وبشارة بأن كل حالة له أحسن مما قبلها وخير منها، وأن الله سيعطيه من النصر والأتباع والعز العظيم وانتشار الدين ما يرضيه.
فكان أعظم مقامات دعوته: دعوته إلى التوحيد الخالص، والنهي عن ضده؛ دعا الناس لهذا، وهذا ما قرره الله في كتابه، وصرفه بطرق كثيرة واضحة تبين وجوب التوحيد وحسنه، وتعينه طريقًا إلى الله وإلى دار كرامته، وقرار إبطال الشرك والمذاهب الضارة بطرق كثيرة احتوى عليها القرآن، وهي أغلب السور المكية، فاستجاب له في هذا الواحد بعد الواحد على شدة عظيمة من قومه. وقاومه قومه وغيرهم، وبغوا له الغوائل، وحرصوا على إطفاء دعوته بجهدهم وقولهم وفعلهم، وهو يجادلهم ويتحداهم أن يأتوا بمثل هذا القرآن، وهم يعلمون أنه الصادق الأمين، ولكنهم يكابرون ويجحدون آيات الله، كما قال تعالى: {فَإِنَّهُمْ لَا يُكَذِّبُونَكَ وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآيَاتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ (٣٣)} [الأنعام:٣٣]. ولهذا لما كان استماعهم للقرآن على وجه الكفر والجحود والتكذيب، وتوطين نفوسهم على معاداته، أخبر الله تعالى أنه جعل على قلوبهم أكنة أن يفقهوه، وفي آذانهم وقرًا، وأنهم لا يهتدون بسبب ما أسسوا من هذا الأصل الخبيث، المانع