ونُقل عن بعض البلغاء قوله: إن العدل ميزان الله الذي وضعه للخلق ونصبه للحق، فلا تخالفه في ميزانه، ولا تعارضه في سلطانه، واستعن على العدل بخلتين: قلة الطمع، وكثرة الورع، فإذا كان العدل من إحدى قواعد الدنيا التي لا انتظام لها إلا به، ولا صلاح فيها إلا معه، وجب أن يبدأ بعدل الإنسان في نفسه، ثم بعدله في غيره، فأما عدله في نفسه، فيكون بحملها على المصالح وكفها عن القبائح، ثم بالوقوف في أحواله على أعدل الأمرين: من تجاوز أو تقصير، فإن التجاوز فيها جور، والتقصير فيها ظلم، ومن ظلم نفسه فهو لغيره أظلم، ومن جار عليها فهو على غيره أجور.
فأما عدله مع غيره؛ فقد تنقسم حال الإنسان مع غيره على ثلاثة أقسام:
القسم الأول: عدل الإنسان فيمن دونه، كالسلطان في رعيته، والرئيس مع صحابته، فعدله فيهم يكون بأربعة أشياء: باتباع الميسور، وحذف المعسور، وترك التسلط بالقوة، وابتغاء الحق في السيرة، فإن اتباع الميسور أدوم، وحذف المعسور أسلم، وترك التسلط أعطف على المحبة، وابتغاء الحق أبعث على النُّصرة.
القسم الثاني: عدل الإنسان مع من فوقه، كالرعية مع سلطانه، والصحابة مع رئيسها، ويكون ذلك بثلاثة أشياء: