وفي رواية: أفأدع له ما يستعين به على معصية الله، فأكون شريكه فيما يعمل بعد الموت؟ ما كنت لأفعل - ثم استدعى بأولاده فودَّعهم وعزاهم بهذا، وأوصاهم بهذا الكلام، ثم قال: انصرفوا عصمكم الله، وأحسن الخلافة عليكم. قال: فلقد رأينا بعض أولاد عمر بن عبدالعزيز يحمل على ثمانين فرسًا في سبيل الله، وكان بعض أولاد سليمان ابن عبدالملك - مع كثرة ما ترك لهم من الأموال - يتعاطى ويسأل من أولاد عمر بن عبدالعزيز؛ لأن عمر وكل ولده إلى الله - عز وجل -، وسليمان وغيره إنما يكلون أولادهم إلى ما يدعون لهم من الأموال الفانية، فيضيعون وتذهب أموالهم في شهوات أولادهم.
ولما احتضر قال: أجلسوني، فأجلسوه، فقال: إلهي، أنا الذي أمرتني فقصرت، ونهيتني فعصيت - ثلاثًا - ولكن لا إله إلا الله، ثم رفع رأسه فأحدَّ النظر، فقالوا: إنك لتنظر نظرًا شديدًا يا أمير المؤمنين، فقال: إني لأرى حضرة ما هم بإنس ولا جان، ثم قُبض من ساعته، وفي رواية أنه قال لأهله: اخرجوا عني، فخرجوا وجلس على الباب مسْلَمةُ بن عبدالملك، وأخته فاطمة، فسمعوه يقول: مرحبًا بهذه الوجوه التي ليست بوجوه إنس ولا جان، ثم قرأ: {تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلَا فَسَادًا وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ (٨٣)} [القصص:٨٣]، ثم هدأ الصوت، فدخلوا عليه فوجدوه قد غمِّض، وسوِّي إلى القبلة،