فكان النبي - صلى الله عليه وسلم - في وقت يوسر، ثم بعد قليل ينفد ما عنده لإخراجه في طاعة الله من وجوه البر وإيثار المحتاجين وضيافة الطارقين وتجهيز السرايا وغير ذلك، وهكذا كان خلق صاحبيه - رضي الله عنهما -، بل أكثر أصحابه، وكان أهل اليسار من المهاجرين والأنصار - رضي الله عنهم - مع برهم له - صلى الله عليه وسلم - وإكرامهم إياه وإتحافه بالطرف وغيرها، ربما لم يعرفوا حاجته في بعض الأحيان، لكونهم لا يعرفون فراغ ما كان عنده من القوت بإيثاره به، ومن علم ذلك منهم ربما كان ضيق الحال في ذلك الوقت، كما جرى لصاحبيه.
ولا يعلم أحد من الصحابة علم حاجة النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو متمكن من إزالتها إلا بادر إلى إزالتها، لكن كان - صلى الله عليه وسلم - يكتمها عنهم إيثارًا لتحمل المشاق، وحملًا عنهم، وقد بادر أبو طلحة حين قال: سمعت صوت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أعرف فيه الجوع إلى إزالة تلك الحاجة، وكذا حديث جابر وسنذكرهما بعد هذا إن شاء الله تعالى، وكذا حديث أبي شعيب الأنصاري الذي سبق في الباب قبله:«أنه عرف في وجهه - صلى الله عليه وسلم - الجوع فبادر بصنيع الطعام».
وأشباه هذا كثيرة في الصحيح مشهورة، وكذلك كانوا يؤثرون بعضهم بعضًا ولا يعلم أحد منهم ضرورة صاحبه إلا