سعى في إزالتها، وقد وصفهم الله -سُبْحَانَهُ- وتعالى بذلك، فقال تعالى:{وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ}[الحشر:٩]، وقال تعالى:{رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ}[الفتح:٢٩]، وأما قولهما - رضي الله عنهما -: «أَخْرَجَنَا الجُوعُ»، وقوله - صلى الله عليه وسلم -: «وَأَنَا، وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لَأَخْرَجَنِي الَّذِي أَخْرَجَكُمَا» فمعناه: أنهما لما كانا عليه من مراقبة الله تعالى ولزوم طاعته والاشتغال به، فعرض لهما هذا الجوع الذي يزعجهما ويقلقهما ويمنعهما من كمال النشاط للعبادة وتمام التلذذ بها، سَعَيَا في إزالته بالخروج في طلب سبب مباح يدفعانه به، وهذا من أكمل الطاعات وأبلغ أنواع المراقبات، وقد نُهي عن الصلاة مع مدافعة الأخبثين وبحضرة طعام تتوق النفس إليه، وفي ثوب له أعلام، وبحضرة المتحدثين ... وغير ذلك مما يشغل قلبه، ونُهي القاضي عن القضاء في حال غضبه وجوعه وهمه وشدة فرحه، وغير ذلك مما يشغل قلبه ويمنعه كمال الفكر. والله أعلم» (١).
ذكر النووي وغيره فوائد لهذا الحديث، فمن ذلك:
جواز ذكر الإنسان ما يناله من ألم ونحوه، لا على سبيل التشكي وعدم الرضا، بل للتسلية والتصبر، كفعله - صلى الله عليه وسلم - هنا، ولالتماس دعاء أو مساعدة على التسبب في إزالة ذلك العارض، فهذا كله ليس بمذموم، إنما يذم ما كان تشكيًا وتسخطًا وتجزعًا.