للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَالأَكْثَرُ (١) سِتُّونَ، وَوَيْلٌ لأَصْحَابِ الْمِئِينَ إِلا مَنْ أَعْطَى الْكَرِيمَةَ، وَمَنَحَ الْغَزِيرَةَ، وَنَحَرَ السَّمِينَةَ، فَأَكَلَ، وَأَطْعَمَ الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ» (٢).

قلت يا رسول الله! ما أكرم هذه الأخلاق، لا يحل بوادٍ أنا فيه من كثرة نَعَمي، فقال: «كَيْفَ تَصْنَعُ بِالْعَطِيَّةِ؟» قُلْتُ: أُعْطِي الْبَكْرَ (٣)، وَأُعْطِي النَّابَ (٤)، قَالَ: «كَيْفَ تَصْنَعُ فِي الْمَنِيحَةِ (٥)؟» قَالَ: إِنِّي لأَمْنَحُ النَّاقَةَ، قَالَ: «كَيْفَ تَصْنَعُ فِي الطَّرُوقَةِ (٦)؟» قَالَ: يَغْدُو النَّاسُ بِحِبَالِهِمْ، وَلا يُوزَعُ (٧) رَجُلٌ مِنْ جَمَلٍ يَخْتَطِمُهُ (٨)، فَيُمْسِكُهُ مَا بَدَا لَهُ، حَتَّى يَكُونَ هُوَ يَرُدَّهُ، فَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: «فَمَالُكَ أَحَبُّ إِلَيْكَ أَمْ مَالُ مَوَالِيكَ؟» قَالَ: مَالِي، قَالَ: «فَإِنَّمَا لَكَ مِنْ مَالِكَ مَا أَكَلْتَ فَأَفْنَيْتَ، أَوْ أَعْطَيْتَ فَأَمْضَيْتَ، وَسَائِرُهُ لِمَوَالِيكَ».

فقلت: لا جرم، لئت رجعت لأقلن عددها. فلما حضره الموت جمع بنيه فقال: يا بني، خذوا عني؛ فإنكم لن تأخذوا عن أحد هو أنصح لكم مني، لا تنوحوا علي؛ فإن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -


(١) الأصل: والكثرة، والتصحيح من مصادر الحديث الآتي ذكرها؛ ثقات ابن حبان وغيره.
(٢) القانع: السائل، والمعتر: من يأتي للمعروف من غير أن يسأل.
(٣) الشاب من الإبل.
(٤) الناب: الناقة المسنة.
(٥) المنيحة: قال في النهاية: ومنحة اللبن: أن يعطيه ناقة أو شاة، ينتفع بلبنها ويعيدها، وكذلك إذا أعطاه لينتفع بوبرها وصوفها زمانًا ثم يردها (٤/ ٣٦٤).
(٦) الطروقة: الناقة التي بلغت أن يضربها الفحل.
(٧) ولا يوزع: أي لا يمنع.
(٨) أي: يجعل على أنفه خطامًا، والخطام: ما يوضع على أنف الجمل من الزمام ليقاد به.

<<  <  ج: ص:  >  >>