للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يهديهم ويأتي بهم وقد حاربوه وقاتلوه وقتلوا جماعة من أصحابه وقتلوا رسول رسوله الذي أرسله إليهم يدعوهم إلى الله، ومع هذا كله فدعا لهم ولم يدع عليهم، وهذا من كمال رحمته ورأفته ونصيحته صلوات الله وسلامه عليه.

ومنها: كمال محبة الصديق له وقصده التقرب إليه والتحبب بكل ما يمكنه، ولهذا ناشد المغيرة أن يدعه هو يبشر النبي - صلى الله عليه وسلم - بقدوم وفد الطائف ليكون هو الذي سره وفرحه بذلك، وهذا يدل على أنه يجوز للرجل أن يسأل أخاه أن يؤثره بقربة من القرب، وأنه يجوز للرجل أن يؤثر بها أخاه، وقول من قال من الفقهاء: لا يجوز الإيثار بالقرب، لا يصح.

وقد آثرت عائشة عمر بن الخطاب بدفنه في بيتها جوار النبي - صلى الله عليه وسلم - (١)، وسألها عمر ذلك فلم يُكره له السؤال ولا لها البذل، وعلى هذا فإذا سأل الرجل غيره أن يؤثره بمقامه في الصف الأول لم يكره له السؤال، ولا لذلك البذل، ونظائره.

ومن تأمل سيرة الصحابة وجدهم غير كارهين لذلك، ولا ممتنعين عنه، وهل هذا إلا كرم وسخاء، وإيثار على النفس بما هو من أعظم محبوباتها، وتفريحًا لأخيه المسلم، وتعظيمًا لقدره، وإجابة له إلى ما سأله، وترغيبًا له في الخير؛ وقد يكون


(١) صحيح البخاري برقم ١٣٩٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>