أرشدهن إلى قطع وسائل المحرم، فقال:{فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ}: أي في مخاطبة الرجال، أو بحيث يسمعون، فَتَلِنَّ في ذلك، وتتكلمن بكلام رقيق يدعو ويطمع الذي في قلبه مرض: أي مرض شهوة الزنا، فإنه مستعد ينتظر أدنى محرك يحركه؛ لأن قلبه غير صحيح، فإن القلب الصحيح ليس فيه شهوة لما حرم الله؛ فإن ذلك لا تكاد تُميله ولا تُحركه الأسباب، لصحة قلبه وسلامته من المرض؛ بخلاف مريض القلب الذي لا يتحمل ما يتحمل الصحيح، ولا يصبر على ما يصبر عليه؛ فأدنى سبب يوجد ويدعوه إلى الحرام يُجيب دعوته ولا يتعاصى عليه؛ فهذا دليل على أن الوسائل لها أحكام المقاصد؛ فإن الخضوع بالقول واللين فيه في الأصل مباح، ولكن لمَّا كان وسيلة إلى المحرم؛ منع منه، ولهذا ينبغي للمرأة في مخاطبة الرجال أن لا تُلين لهم القول.
ولما نهاهن عن الخضوع في القول؛ فربما تُوهم أنهن مأمورات بإغلاظ القول، دفع هذا بقوله: {وَقُلْنَ قَوْلًا مَعْرُوفًا (٣٢)} أي غير غليظ ولا جاف، كما أنه ليس بلين خاضع، وتأمل كيف قال:{فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ} ولم يقل: فلا تَلِنَّ بالقول، وذلك لأن المنهي عنه القول اللين الذي فيه خضوع المرأة للرجل وانكسارها عنده، والخاضع هو الذي يُطمع فيه، بخلاف من تكلم كلامًا لينًا ليس فيه خضوع، بل ربما صار فيه ترفُّع وقهر للخصم؛ فإن هذا لا يطمع فيه خصمه، ولهذا مدح الله