للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يستحق الشكر لأنه هو الذي أوجدك من العدم فكذلك أوصى بشكر من كان سببًا في وجودك، ولو لم يكن إلا هذا السبب لكفى به موجبًا لبر الوالدين وطاعتهما. وهذا السبب لا يوجد من أعمال البر ما يكافئه إلا شيئًا واحدًا لا يتوفر في غالب الناس، قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «لَا يَجْزِي وَلَدٌ وَالِدًا إِلَّا أَنْ يَجِدَهُ مَمْلُوكًا فَيَشْتَرِيَهُ فَيُعْتِقَهُ» (١).

٨ - مع هذه الوصايا العظيمة ببر الوالدين إلا أن طاعتهما مشروطة بأن تكون في غير معصية الله، إذ لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق مهما عظم قدره.

روى مسلم في صحيحه من حديث مصعب بن سعد عن أبيه - رضي الله عنه - أنه نزلت فيه آيات من القرآن، قال: «حَلَفَتْ أُمُّ سَعْدٍ أَنْ لَا تُكَلِّمَهُ أَبَدًا حَتَّى يَكْفُرَ بِدِينِهِ، وَلَا تَأْكُلَ وَلَا تَشْرَبَ، قَالَتْ: زَعَمْتَ أَنَّ اللهَ وَصَّاكَ بِوَالِدَيْكَ، فَأَنَا أُمُّكَ، وَأَنَا آمُرُكَ بِهَذَا. قَالَ: مَكَثَتْ ثَلَاثًا حَتَّى غُشِيَ عَلَيْهَا مِنَ الْجَهْدِ، فَقَامَ ابْنٌ لَهَا يُقَالُ لَهُ عُمَارَةُ، فَسَقَاهَا، فَجَعَلَتْ تَدْعُو عَلَى سَعْدٍ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ فِي الْقُرْآنِ هَذِهِ الْآيَةَ: {وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلَى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا}» (٢).

٩ - ما أرحمك يا رب وما أحلمك وما أكرمك، فشرك الوالدين


(١). صحيح مسلم برقم (١٥١٠) من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه -.
(٢). صحيح مسلم برقم (٤٣/ ١٧٤٨).

<<  <  ج: ص:  >  >>