للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بالصواب ما قاله الذين قالوا إنه عني بالأمانة في هذا الموضع جميع معاني الأمانات في الدين، وأمانات الناس، وذلك أن الله لم يخص بقوله: {عَرَضْنَا الأَمَانَةَ} بعض معاني الأمانات لما وصفنا (١).

قال القرطبي: الأمانة تعم جميع وظائف الدين، ونسب هذا القول لجمهور المفسرين، وقال بعضهم: كل ما افترض الله على العباد فهو أمانة، كالصلاة، والزكاة، والصيام، وأداء الدين، وأوكدها الودائع، وأوكد الودائع كتم الأسرار (٢).

روى الطبراني في المعجم الكبير من حديث شداد بن أوس: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «إِنَّ أَوَّلَ مَا تَفقِدُونَ مِن دِينِكُمُ الأَمَانَةَ» (٣).

وأخبر النبي - صلى الله عليه وسلم - أن فقدان الأمانة من علامات الساعة، فروى البخاري من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه -: أن رجلاً سأل النبي - صلى الله عليه وسلم - عن الساعة، فقال: «إِذَا ضُيِّعَتِ الأَمَانَةُ فَانْتَظِرِ السَّاعَةَ» قَالَ: كَيْفَ إِضَاعَتُهَا؟ قَالَ: «إِذَا وُسِّدَ الأَمْرُ إِلَى غَيْرِ أَهْلِهِ فَانْتَظِرِ السَّاعَةَ» (٤).

وروى البخاري ومسلم من حديث حذيفة قال: حَدَّثَنَا رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - حَدِيثَيْنِ، رَأَيْتُ أَحَدَهُمَا، وَأَنَا أَنْتَظِرُ الآخَرَ، حَدَّثَنَا: «أَنَّ الأَمَانَةَ نَزَلَتْ فِي جَذْرِ قُلُوبِ الرِّجَالِ، ثُمَّ عَلِمُوا مِنَ الْقُرْآنِ، ثُمَّ عَلِمُوا مِنَ السُّنَّةِ»، وَحَدَّثَنَا عَنْ رَفْعِهَا فَقَالَ: «يَنَامُ الرَّجُلُ النَّوْمَةَ، فَتُقْبَضُ الأَمَانَةُ مِنْ قَلْبِهِ، فَيَظَلُّ أَثَرُهَا مِثْلَ أَثَرِ الْوَكْتِ، ثُمَّ يَنَامُ النَّوْمَةَ فَتُقْبَضُ، فَيَبْقَى أَثَرُهَا مِثْلَ الْمَجْلِ، كَجَمْرٍ دَحْرَجْتَهُ عَلَى رِجْلِكَ فَنَفِطَ، فَتَرَاهُ مُنْتَبِرًا، - أي مرتفعًا - وَلَيْسَ فِيهِ شَيْءٌ،


(١) تفسير الطبري (٨/ ٦٧١٥).
(٢) انظر: الجامع لأحكام القرآن للقرطبي (١٧/ ٢٤٥).
(٣) (٧/ ٢٩٥) برقم (٧١٨٢)، وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة برقم (١٧٩٣).
(٤) برقم (٥٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>