للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لسبع خلون من جمادى الآخرة، وكان يومًا باردًا، فحُمّ خمسة عشر يومًا لا يخرج إلى صلاة، ودخل عليه الصحابة في مرضه، فقالوا: ألا ندعو لك طبيبًا ينظر إليك؟ فقال: قد نظر إلي، فقالوا: ما قال؟ قال: إني فعال لما أريد، تقول عائشة رضي الله عنها: لما ثقل أبي تمثلت بهذا البيت:

لَعَمْرُكَ مَا يُغْنِي الثَّرَاءُ عَنِ الفَتَى ... إِذَا حَشْرَجَتْ يَوْمًا وَضَاقَ بِهَا الصَّدْرُ

فكشف عن وجهه وقال: ليس ذلك يا بنية، ولكن قولي: {وَجَاءَتْ سَكْرَةُ المَوْتِ بِالحَقِّ ذَلِكَ مَا كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ} [ق: ١٩] (١).

روى البخاري في صحيحه من حديث عائشة رضي الله عنها قالت: دخلت على أبي بكر - رضي الله عنه - فقال: في كم كفنتم النبي - صلى الله عليه وسلم -؟ قالت: في ثلاثة أثواب بيض سَحُوليةً، ليس فيها قميصٌ وَلَا عمامةٌ. وقال لها: في أي يومٍ تُوفِيَ رسولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -؟ قالت: يومَ الاثنَينِ. قال: فأَيُّ يومٍ هذا؟ قالت: يومُ الاثنينِ. قال: أَرجُو فيما بيني وبين الليل. فنظر إلى ثوبٍ عليه كان يُمَرَّضُ فيه، به ردعٌ من زعفران، فقال: اغسلوا ثوبي هذا، وزيدوا عليه ثوبين، فكفنوني فيها. قلت: إن هذا خَلَقٌ؟ قال: إن الحَيَّ أَحَقُّ بالجديد من الميتِ، إنما هو للمهلة.

فلم يتوفَّ حتَّى أمسى من ليلة الثلاثاء، ودُفِنَ قبل أن يُصبِحَ (٢).

رضي الله عن أبي بكر، وجزاه عن الإسلام والمسلمين خير الجزاء، وجمعنا به في دار كرامته، مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين، وحسن أولئك رفيقًا.

والحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.


(١) تاريخ الخلفاء للسيوطي (ص: ٦٣ - ٦٤).
(٢) برقم (١٣٨٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>