للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وروى مسلم في صحيحه من حديث جابر رضي اللهُ عنه: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم مَرَّ بِالسُّوقِ دَاخِلًا مِنْ بَعْضِ الْعَالِيَةِ، وَالنَّاسُ كَنَفَتَهُ (أي: جانِبَهُ)، فَمَرَّ بِجَدْيٍ أَسَكَّ (أي: صغير الأذنين) مَيِّتٍ، فَتَنَاوَلَهُ فَأَخَذَ بِأُذُنِهِ، ثُمَّ قَالَ: «أَيُّكُمْ يُحِبُّ أَنَّ هَذَا لَهُ بِدِرْهَمٍ؟ » فَقَالُوا: مَا نُحِبُّ أَنَّهُ لَنَا بِشَيْءٍ، وَمَا نَصْنَعُ بِهِ؟ قَالَ: «أَتُحِبُّونَ أَنَّهُ لَكُمْ؟ » قَالُوا: وَاللَّهِ لَوْ كَانَ حَيًّا كَانَ عَيْبًا فِيهِ؛ لِأَنَّهُ أَسَكُّ فَكَيْفَ وَهُوَ مَيِّتٌ؟ ! فَقَالَ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: «فَوَاللَّهِ لَلدُّنْيَا أَهْوَنُ عَلَى اللَّهِ مِنْ هَذَا عَلَيْكُمْ» (١).

وقد حذر النبي صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أمته من فتنة الدنيا وزخرفها، فروى البخاري ومسلم في صحيحيهما من حديث عمرو بن عوف رضي اللهُ عنه: أن النبي صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: «فَوَاللَّهِ مَا الْفَقْرَ أَخْشَى عَلَيْكُمْ، وَلَكِنِّي أَخْشَى أَنْ تُبْسَطَ عَلَيْكُمُ الدُّنْيَا، كَمَا بُسِطَتْ عَلَى مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ، فَتَنَافَسُوهَا كَمَا تَنَافَسُوهَا، وَتُهْلِكَكُمْ كَمَا أَهْلَكَتْهُمْ» (٢).

قال الشافعي رحمه الله:

إن للَّه عباداً فُطنَا ... تركوا الدنيا وخافوا الفِتنا

نَظَرُوا فيها فلمَّا علِمُوا ... أنها ليست لِحَيٍّ وَطَنَا

جعلوها لُجةً واتخذُوا ... صالِحَ الأعمالِ فيها سُفُنَا

وقال ابن أبي حصينة المعري:

أحلامُ نوم أو كظل زائلٍ ... إن اللبيب بمثلها لا يُخْدَعُ


(١) ص: ١١٨٧، برقم ٢٩٥٧.
(٢) ص: ٧٦٢، برقم ٤٠١٥، وصحيح مسلم ص: ١١٨٨، برقم ٢٩٦١.

<<  <  ج: ص:  >  >>