للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وكان النبي صلَّى اللهُ عليه وسلَّم من أكثر الناس بُعدًا عن الدنيا وفتنتها، فروى الترمذي في سننه من حديث عبد اللَّه بن مسعود رضي اللهُ عنه قال: نام النبي صلَّى اللهُ عليه وسلَّم على حصير فقام وقد أثر في جنبه، فقلنا: يا رسول اللَّه، لو اتخذنا لك وطاءً، فقال: «مَا لِي وَمَا لِلدُّنْيَا؟ ! مَا أَنَا فِي الدُّنْيَا إِلَّا كَرَاكِبٍ اسْتَظَلَّ تَحْتَ شَجَرَةٍ ثُمَّ رَاحَ وَتَرَكَهَا» (١).

وفي الصحيحين من حديث عمر: أنه رضي اللهُ عنه صعد إلى مشربة النبي صلَّى اللهُ عليه وسلَّم لما آلى صلَّى اللهُ عليه وسلَّم من نسائه، فرآه على رمال حصير قد أثر بجنبه، فابتدرت عيناه بالبكاء وقال: يا رسول اللَّه هذا كسرى وقيصر فيما هما فيه، وأنت صفوة اللَّه من خلقه؛ وكان رسول اللَّه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم متكئًا، فجلس وقال: «أَوَ فِي شَكٍّ أَنْتَ يَا ابْنَ الْخَطَّابِ؟ ! » ثم قال صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: «أُولَئِكَ قَوْمٌ عُجِّلَتْ لَهُمْ طَيِّبَاتُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا»، وفي رواية: «أَمَا تَرْضَى أَنْ تَكُونَ لَهُمُ الدُّنْيَا وَلَنَا الْآخِرَةُ؟ ! » (٢).

قال علي رضي اللهُ عنه - وهو يصف الدنيا -: أولها عناء وآخرها فناء، حلالها حساب، وحرامها عقاب، من صح فيها أمن، ومن حرص ندم، ومن استغنى فيها فتن، ومن افتقر فيها حزن، ومن ساعاها (أي سعى إليها) فتنته، ومن قعد عنها أتته، ومن نظر إليها أعمته، ومن نظر بها (أي اعتبر بها) بصَّرته، قال الشاعر أبو الحسن التهامي:

طُبِعَتْ على كدَرٍ وأنتَ تُريدُها ... صَفواً مِنَ الأقذاءِ والأكْدارِ


(١) ص: ٣٨٩، برقم ٢٣٧٧، وقال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح.
(٢) ص: ٩٦٩، برقم ٤٩١٣، وصحيح مسلم ص: ٥٩٣، برقم ١٤٧٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>