للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[النساء: ٨٩]. فغضبوا عليه وحبسوه وأوثقوه، فلم يزل محبوسًا حتى فرَّ بدينه وهاجر إلى الحبشة (١).

كان مصعب بن عمير فتى مكة المدلَّل، وكانت أمه من أغنى أهل مكة: تكسوه أحسن الثياب، وأجمل اللباس، وكان أعطر أهل مكة؛ فلما أسلم انخلع من ذلك كله، وأصابه من التعذيب والبلاء ما غيَّر لونه، وأنهك جسمه؛ روى البخاري في صحيحه من حديث خَبَّابِ بْنِ الأَرَتِّ رضي اللهُ عنه قَالَ: شَكَوْنَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم وَهُوَ مُتَوَسِّدٌ بُرْدَةً لَهُ فِي ظِلِّ الْكَعْبَةِ، قُلْنَا لَهُ: أَلا تَسْتَنْصِرُ لَنَا؟ أَلا تَدْعُو اللَّهَ لَنَا؟ قَالَ: «كَانَ الرَّجُلُ فِيمَنْ قَبْلَكُمْ يُحْفَرُ لَهُ فِي الأَرْضِ فَيُجْعَلُ فِيهِ، فَيُجَاءُ بِالْمِنْشَارِ فَيُوضَعُ عَلَى رَاسِهِ، فَيُشَقُّ بِاثْنَتَيْنِ، وَمَا يَصُدُّهُ ذَلِكَ عَنْ دِينِهِ، وَيُمْشَطُ بِأَمْشَاطِ الْحَدِيدِ مَا دُونَ لَحْمِهِ مِنْ عَظْمٍ أَوْ عَصَبٍ، وَمَا يَصُدُّهُ ذَلِكَ عَنْ دِينِهِ؛ وَاللَّهِ لَيُتِمَّنَّ هَذَا الأَمْرَ حَتَّى يَسِيرَ الرَّاكِبُ مِنْ صَنْعَاءَ إِلَى حَضْرَمَوْتَ، لَا يَخَافُ إِلَّا اللَّهَ أَوِ الذِّئْبَ عَلَى غَنَمِهِ، وَلَكِنَّكُمْ تَسْتَعْجِلُونَ» (٢).

قال ابن اسحاق: بعث رسول اللَّه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم مصعب بن عمير مع النفر الاثني عشر الذين بايعوه في العقبة الأولى يفقِّه أهلها ويقرئهم القرآن، فكان منزله على أسعد بن زرارة وكان إنما يسمى بالمدينة: المقرئ؛ يقال: إنه أول من جمع الجمعة بالمدينة وأسلم على يده أسيد بن حضير وسعد ابن معاذ، وهما سيدا قومهما وكفى بذلك فخرًا وأثرًا في الإسلام (٣). اهـ.


(١) الطبقات (٣/ ١١٦).
(٢) ص: ٦٩٠ برقم ٣٦١٢.
(٣) نقلاً عن «أسد الغابة»، لابن الأثير (٤/ ١٣٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>