وروى البخاري في صحيحه من حديث البراء رضي اللهُ عنه قال: أَوَّلُ مَنْ قَدِمَ عَلَيْنَا مُصْعَبُ بْنُ عُمَيْرٍ وَابْنُ أُمِّ مَكْتُومٍ وَكَانَا يُقْرِئَانِ النَّاسَ، فَقَدِمَ بِلَالٌ وَسَعْدٌ وَعَمَّارُ بْنُ يَاسِرٍ، ثُمَّ قَدِمَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ فِي عِشْرِينَ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، ثُمَّ قَدِمَ النَّبِيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فَمَا رَأَيْتُ أَهْلَ الْمَدِينَةِ فَرِحُوا بِشَيْءٍ فَرَحَهُمْ بِرَسُولِ اللَّهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم؛ حَتَّى جَعَلَ الإِمَاءُ يَقُلْنَ: قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فَمَا قَدِمَ حَتَّى قَرَاتُ {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلَى (١)} فِي سُوَرٍ مِنَ الْمُفَصَّلِ (١).
ولما وقعت معركة أحد في العام الثالث من الهجرة النبوية، شارك فيها مصعب بن عمير مشاركة الأبطال، وأبلي فيها بلاء المؤمنين الصابرين، وحمَّله المصطفى صلَّى اللهُ عليه وسلَّم راية المسلمين، وثبت مصعب بن عمير مع القلة المؤمنة التي أحاطت بالنبي صلَّى اللهُ عليه وسلَّم ودافعت المشركين عنه لما تخلخلت صفوف المسلمين، وأصبحت الجولة للمشركين، وبقي اللواء في يد مصعب بن عمير يمسكه بقوة وثبات ويدافع عن النبي صلَّى اللهُ عليه وسلَّم؛ وتدافع المشركون نحو اللواء، وأقبل ابن قمئة - عليه من اللَّه ما يستحق - فشدَّ على مصعب بن عمير، فضرب يده اليمنى فقطعها، ومصعب يردد قول الحق سبحانه: {وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَاّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَن يَنقَلِبْ عَلَىَ عَقِبَيْهِ فَلَن يَضُرَّ اللهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللهُ الشَّاكِرِين (١٤٤)} [آل عمران].ثم أخذ اللواء بيده اليسرى حتى لا يقع، فضرب ابن قمئه يده اليسرى فقطعها، فحنا على اللواء وضمه بعضديه إلى صدره، ثم حمل عليه الثالثة بالرمح فأنفذه إلى صدره، ووقع مصعب بن عمير شهيدًا