للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال الشيخ عبد الرحمن بن حسن في كتابه فتح المجيد: قوله: {قَالَ وَمَن يَقْنَطُ مِن رَّحْمَةِ رَبِّهِ إِلَاّ الضَّآلُّون (٥٦)}، مع قوله {أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللهِ فَلَا يَامَنُ مَكْرَ اللهِ إِلَاّ الْقَوْمُ الْخَاسِرُون (٩٩)}: دليل على أنه لا يجوز لمن خاف اللَّه أن يقنط من رحمته، بل يكون خائفًا راجيًا يخاف ذنوبه ويعمل بطاعة اللَّه ويرجو رحمته، قال تعالى: {أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ} [الإسراء: ٥٧]. وقال تعالى: {أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاء اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا يَحْذَرُ الآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ} [الزمر: ٩] (١). قال الحسن البصري: المؤمن يعمل بالطاعات وهو مشفق خائف وجل، والفاجر يعمل بالمعاصي وهو آمن (٢).

وقال تعالى حاكيًا عن خليله إبراهيم عليه السَّلام - لما بشرته الملائكة بابنه إسحاق -: {قَالَ أَبَشَّرْتُمُونِي عَلَى أَن مَّسَّنِيَ الْكِبَرُ فَبِمَ تُبَشِّرُون (٥٤)} [الحجر]. لأن العادة أن الرجل إذا كبر سنه وسن زوجته، استبعد أن يولد له منها، واللَّه على كل شيء قدير؛ فقالت الملائكة: {بَشَّرْنَاكَ بِالْحَقِّ} الذي لا ريب فيه، فإن اللَّه إذا أراد شيئًا فإنما يقول له كن فيكون {فَلَا تَكُن مِّنَ الْقَانِطِين}: أي من الآيسين، وقال تعالى حاكيًا عنه: {قَالَ وَمَن يَقْنَطُ مِن رَّحْمَةِ رَبِّهِ إِلَاّ الضَّآلُّون (٥٦)} [الحجر]. فإنه يعلم من قدرته وحكمته: ما هو أبلغ من ذلك وأعظم.

روى عبد الرزاق في مصنفه من حديث ابن مسعود موقوفًا عليه:


(١) فتح المجيد ص: ٤١٦.
(٢) تفسير ابن كثير (٦/ ٣٥٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>