لا بد أن يتميز عن غيره، وإذا قيل: المعدوم يتميز فيه شيء عن شيء على قول من يقول: المعدوم شيء تبين أن المعدم ليس بشيء فيكون إثبات وجود الصانع موقوفاً على إبطال قول هؤلاء كما فعل ذلك طائفة من أهل الكلام.
ومن المعلوم ان إبطال هذا أدق من إبطال كون الشيء الذي لا يكون وجوده من نفسه يكون موجوداً لا بنفسه ولا بغيره، إذ كان من المعلوم البين لكل أحد أن ما لم يوجد بنفسه، فلا بد ان يكون وجوده بغيره، وأما تقدير موجود لم يوجد بنفسه ولا بغيره فهو ممتنع، فإنه لا يعني بكونه موجوداً بنفسه أن نفسه أوجدته إذ كان هذا معلوم الامتناع، بل يعني أنه لا يحتاج في وجوده إلى غيره بل وجوده واجب بنفسه، فهو موجوداً أزلاً وأبداً، فظهور صحة هذا الكلام وبطلان نقيضه أبين مما يستدل به عليه، بل يمكن هنا إيراد أسولة أخرى يطول بها الكلام.
وقال الرازي أيضاً: قد كان الواجب على ابن سينا أن يتكلم قبل هذا الفصل في بيان أن سبب الممكن لا يكون مقدماً عليه تقدماً زمانياً فإنه لو جاز ذلك لما امتنع إسناد كل ممكن إلى آخر قبله لا إلى أول، وذلك عنده غير ممتنع، فكيف يمكن إبطاله لإثبات واجب الوجود.
وأما إذا قامت الدلالة على أن السبب لا بد من وجوده مع المسبب فحينئذ لو حصل التسلسل لكانت تلك الأسباب والمسببات بأسرها حاضرة معاً، وذلك عنده محال.