ولكن هذا السؤال يمكن تحريره على وجه آخر، وهو أن يقال: الكرامية إنما أثبتوا ما أثبتوه لاحتياج الخلق إليه، والقدرة والمشيئة الأزلية مكافية في حدوث المخلوقات المنفصلة كما هي كافية في حدوث ما قام بالذات فيكون دليلهم على ذلك باطلاً.
وهذا الكلام إنما يفيد إن أفاد إبطال هذا الدليل المعين ولا يبطل دليلاً آخر ولا يبطل ثبوت المدلول، فلا يجوز أن ينفي قيام الحوادث بذاته لعدم ما يثبت ذلك بل الواجب فيما لا يعرف دليل ثبوته وانتفائه الوقف فيه.
ثم هم قد يقولون: صدور المفعولات المنفصلة من غير سبب حادث يقوم بالفاعل أمر ممتنع كصدور المفعولات بدون قدرة وإرادة للفاعل.
ويقولون أيضاً: قد علم أن الله خالق لعالم، والخلق ليس هو المخلوق، إذ هذا مصدر وهذا مفعول به، والمصدر ليس هو المفعول به فلا بد من إثبات خلق قائم به ومن إثبات مخلوق منفصل عنه.
وهذا قول جمهور الناس، وهو أشهر القولين عند أصحاب الأئمة الأربعة أصحاب: أبي حنيفة ومالك والشافعي وأحمد وهو قول جمهور الناس: أهل الحديث والصوفية وكثير من أهل الكلام أو أكثرهم وكثير من أساطين الفلاسفة أو أكثرهم.