وفي الجملة فميل الحيوان إلى ما يظن أنه ينفعه، ونفوره عما يظن أنه يضره: بسبب هذه القوة، فإن إدراكه كون هذا نافعاً له موافقاً له ملائماً له، وكون هذا ضاراً له مخالفاً له منافراً له: هو بهذه القوة.
وعلى هذه فينبغي إن يكون إدراك ما في الأغذية والأدوية من الملائمة هو بهذه القوة، فإن الإنسان يتوهم في الخبز أنه يلائمه إذا أكله، كما يتوهم الفرس ذلك في الشعير، ويتوهم في السيف أنه يضره إذا ضرب به، كما يتوهم الحمار ذلك في العصا.
وفي الجملة فتصور الإنسان - بل والحيوان- لما ينفعه ويضره هو بهذه القوة على موجب اصطلاحهم، فإن الإنسان إذا رأى بئراً محفورة يتصور أنه إن وقع فيها عطب- كان هذا بهذه القوة، لأن الحس إنما شهد مكاناً عميقاً، أما كونه يضر الإنسان إذا سقط فيه فهذا لا يعلم بالحس، ولهذا كان من لا تمييز له يسقط في مثل هذا المكان، كالصبي والمجنون والبهيمة، وإن كان له حس، فالذي يسميه الناس عقلاً سماه هؤلاء وهماً، وتصور الإنسان أن هذا ماله وهذا مال غيره، وهذه الدار داره وهذه دار غيره، هو بهذه القوة لأن الحس الظاهر لا يميز بين هذا وهذا، وإنما يعرف هذا من هذا بقوة باطنة تتصور في المحسوس ما ليس بمحسوس، وهو أن هذه الدار أو المال له أو لأقاربه أو لأصدقائه، وتلك الدار أو المال للأجانب أو الأعداء، فإن هذه المعاني هي في المحسوس وليست محسوسة، وإدراك كون هذا الإنسان